القرآن الكريم، وما كتبه الدكتور على جريشة في كتابه: دعوة الله بين التكوين، والدكتور على عبد الحليم في كتابه: فقه الدعوة إلى الله، وفقه المسئولية، وقد رأيت أن مادة فقه التمكين من أهم الأبحاث والأطروحات التي يجب أن يهتم بها الباحثون، ولذلك استعنت بالله ثم بشيوخي الكرام, وأخص بالذكر الدكتور أحمد محمد جيلي للخوض في بحر فقه التمكين.
إن مادة فقه التمكين في القرآن غزيرة جدًا بحيث نجد أن القرآن الكريم تكلم
عن أنواع التمكين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} [يوسف: 21]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ... } [يوسف: 56].
فإذا تأملت في الآيتين تلاحظ أن الآية الأولى أشارت للتمكين الجزئي ليوسف عليه السلام، والآية الثانية للتمكين الكلى في حقه، كما نجد أن القرآن الكريم أشار إلى أسباب التمكين المعنوية والمادية في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]، وأشار القرآن الكريم إلى شروط التمكين في قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].
وأشار القرآن الكريم إلى مراحل التمكين في قصة بني إسرائيل من زمن موسى عليه السلام إلى العصر الذهبي في زمن داود وسليمان عليهما السلام.
وأشار القرآن إلى أهداف التمكين في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] , كما أشار القرآن الكريم إلى سيرة بعض المصلحين من الأنبياء والمرسلين وبين صفاتهم التي أهلتهم إلى أن أكرمهم الله بالتمكين كيوسف عليه السلام، قال تعالى: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56].