وقد ظلت هذه العوامل الرهيبة، وغيرها تساور العالم الإسلامي، وتهدده, وتتسلل إلى قواعده في إصرار، ووراءها جميع قوى العالم الجاهلي، ولكنها لم تبلغ أن تحطمه من أساسه، ولكنها مع تطاول الزمان، ومع التجمع والترصد واستمرار ذلك ظلت تنقص منه شيئا فشيئا، وتنحرف به عن أصوله رويدا حتى أثخنته فعلا, وهددته تهديدًا خطيرًا (?).
لقد تجمعت انحرافات القرون الطويلة، وتفاعلت بعضها مع بعض، فأدت في النهاية إلى زوال التمكين عن الأمة الإسلامية، وانهيارها من الذروة السامقة إلى الهوة السحيقة (?).
وحين جاءت الحروب الصليبية الأخيرة, والمسلمون على هذا الوضع كان الاحتمال الأكبر أن ينهاروا، ويسلموا أنفسهم للضياع، وسقط العالم الإسلامي فريسة للاحتلال الأجنبي، وتقطعت أوصاله بين براثن المغيرين.
ولا يعني هذا - بطبيعة الحال - أن الأمة قد خربت، ولا أن الساحة قد خلت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكننا حين نطلق ما نطلق من تعميمات نقصد بذلك الصورة الغالبة، والصورة الغالبة هي التي تقرر الموقف العملي في الحقيقة، وليست القلة المتميزة مهما يكن لها من تميز، إلا أن يكون في أيديها مقاليد الأمور (?).
ويحفظ التاريخ الإسلامي كثيرا من أدوار البطولة في جهاد المحتلين، لكنها كانت بطولات المنهزم، يضرب آخر ضرباته قبل الاستسلام, فقد كانت العقيدة قد توارت خلف الركام، فكان حقا على الناس أن ينتهوا إلى الهزيمة والاستسلام (?).
نعم حدث هذا وكان لابد أن يحدث، لأن المسلمين فقدوا أسباب التمكين