وعندما تسامع المهاجرون بأن قريشًا قد أسلمت، وكفت عن إيذاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجعوا، فوجدوا الأمر أشد مما كان، فأذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالهجرة الثانية، فهاجر قرابة المائة ما بين رجل وامرأة واستقروا هناك (?).
لقد ذكر ابن إسحاق (?) دوافع الهجرة الثانية، فقال: (فلما اشتد البلاء وعظمت الفتنة تواثبوا على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت الفتنة الآخرة التي أخرجت من كان هاجر من المسلمين بعد الذين كانوا خرجوا قبلهم إلى أرض الحبشة) (?).
لقد أرسلت قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة يحملان الهدايا إلى النجاشي وبطارقته، فقابلا النجاشي طالبين إليه إعادة من هاجر من المسلمين، فأرسل النجاشي إلى المسلمين فسألهم عن دينهم فقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: (أيها الملك كنا قومًا على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة، ونسئ الجوار، ونستحل المحارم، بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئًا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيًا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلى ونصوم، ولا نعبد غيره).
فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال جعفر: نعم.
قال: هَلُمَّ فاتلُ علىَّ ما جاء به.
فقرأ عليهم صدرًا من كهيعص (?)، فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته،