المبحث الثالث تمكين الله تعالى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتبليغ الرسالة في مكة

المبحث الثالث

تمكين الله تعالى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتبليغ الرسالة في مكة

بعد الإعداد الرفيع الذي قام به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتربية أصحابه, وبناء القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية وأمنية وتنظيمية، وبعد أن قطع المرحلة السرية بكل نجاح وتفوق، نزل قول الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صعد الصفا فهتف: «يا صباحاه»، فاجتمعت إليه قريش، فقال: «يا بنى فلان، يا بنى عبد مناف، يا بنى عبد المطلب، أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقيَّ؟» قالوا: ما جربنّا عليك كذبًا. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبًا لك، أما جمعتنا إلا لهذا, ثم قام فنزلت هذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1].

من الطبيعي أن يبدأ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين، إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية، فبدء الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته، كما أن القيام بالدعوة في مكة لا بد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من مركز ديني خطير، فجلبها إلى حظيرة الإسلام لا بد أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل، على أن هذا لا يعنى أن رسالة الإسلام كانت في أدوارها الأولى محدودة بقريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية. (?)

ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والإعراض والسخرية والإيذاء والتكذيب، والكيد المدبر المدروس، ولقد اشتد الصراع بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وبين شيوخ الوثنية وزعمائها، وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان، وهذا في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة، ساهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015