إن قيام مسألة الإنكار في الأمور العامة هو على فهم مسألة عظيمة هي، الإمكان وعدم الإمكان, وتحديد هذا الإمكان وعدمه ليس إلى جمهور الناس وعوامهم، بل هو إلى العلماء بشرع الله البصراء بواقع الناس (?).
فلابد من وضع الثقة بالعلماء الربانيين، فكثير من الناس من يطالب العلماء بعمل من الأعمال هم عنه ممتنعون، وما امتناعهم عنه إلا لنظرهم من مآلات الأمور وعواقبها.
إذ بعض المصالح قد يمتنع عنه لما يؤدي إليه من المآل من المفاسد العظمى، والدين الإسلامي يراعي المصالح، فلا يقر اعتبار مصلحة دنيا على حساب وقوع مفسدة عظمى.
ألا ترى أن قتل المنافق الثابت نفاقه، المعروف باستهزائه بآيات الله وبرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالمؤمنين .. أمر مشروع بل موجب للقتل، وهو الردة ومفارقة الدين؟
فقد امتنع عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما يفضي إليه هذا القتل من المفاسد, فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (?) أنه قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري، يا للمهاجرين، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله, كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار, فقال: «دعوها فإنها منتنة» فسمعها عبد الله بن أبي، فقال: قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» (?).
إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتنع عن قتل المنافق خشية أن يتحدث الناس أن رسول الله