عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَطْءِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ قَامَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا إلَى مَا يَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَحُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، قَامَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ عَلَى سَائِرِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ وَالِابْنِ الْجَدُّ وَابْنُ الِابْنِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ فَلَا اخْتِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالْإِذْرَاعِ وَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ، قَالَ مُطَرِّفٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَغْتَلُّ الثِّمَارَ فَهُوَ كَالسُّكْنَى، وَأَبْنَاؤُهُمْ وَأَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيمَا عَمَّرَ الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا، وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ وَرِثْت عَنْ أَبِي، وَأَبِي عَنْ جَدِّي، لَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ هَذَا الْحَقُّ فِي أَيْدِيهِمْ؟ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى شَرْطِ الْأَصْلِ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ الصِّهْرُ وَالْوَلِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ حِيَازَةً بِالتَّفْوِيتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي حِيَازَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ، فَقَالَ مَرَّةً: إنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ حِيَازَةٌ.
وَقَالَ مَرَّةً: إنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ، كَحِيَازَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَمَا حَازَهُ بِالْكِرَاءِ كَالرَّجُلِ يُكْرِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضُهُ بِحَضْرَةِ إخْوَتِهِ وَعِلْمِهِمْ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَجَانِبِ.