أَخِيهِ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَيَعِظُ الشُّهُودَ أَيْضًا كَمَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ: إنَّمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ أَنْتُمَا بِشَهَادَتِكُمَا وَإِنِّي مُتَّقٍ بِكُمَا مِنْ النَّارِ فَاتَّقِيَا اللَّهَ وَالنَّارَ. .

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَهِّلَ إذْنَ الْبَيِّنَاتِ وَلَا يَمْطُلَهُمْ فَيَتَفَرَّقُوا فَيَعْسُرُ جَمْعَهُمْ، وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَجَرِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِالْمُصَالَحَةِ عَنْهُ لِمَا يُدْرِكُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَلِهَذَا رَأَيْت بَعْضَ الْقُضَاةِ يَأْمُرُ أَوَّلَ جُلُوسِهِ بِإِدْخَالِ الْبَيِّنَةِ وَيَسْمَعُ مِنْهَا قَالَ وَقَدْ قَالَ مَنْ حَضَرَنِي مِمَّنْ عُنِيَ بِالْعِلْمِ كَانَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ مِمَّنْ اُمْتُحِنَ بِالْخُصُومَةِ وَكَانَ يَقُولُ نَقْلُ الْجِبَالِ عِنْدَهُ أَيْسَرُ مِنْ نَقْلِ الْبَيِّنَةِ، يَعْنِي إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَضَرُوا آنَسَهُمْ وَقَرَّبَهُمْ وَبَسَطَهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَإِذَا كَانَتْ تَامَّةً قَيَّدَهَا وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً سَأَلَهُمْ عَنْ بَقِيَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً سَأَلَهُمْ عَنْ تَفْسِيرِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَامِلَةٍ أَعْرَضَ عَنْهَا إعْرَاضًا جَمِيلًا، فَأَعْلَمَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا كَعُشْرِ سِمْسِمَةٍ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ.

وَمِنْهَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إذَا حَضَرَ عِنْدَهُ الْخَصْمَانِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ دَعْوَاهُ وَيَفْهَمَهَا عَنْهُ، وَإِذَا كَانَتْ دَعْوًى لَا يَجِبُ بِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَسْأَلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ شَيْءِ وَأَمَرَهُمَا بِالْخُرُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْ دَعْوَاهُ مَا فِيهِ بَيَانُ مَطْلَبِهِ أَمَرَهُ بِتَمَامِهِ وَإِنْ أَتَى بِإِشْكَالِ أَمْرِهِ بِبَيَانِهِ، فَإِنْ صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمَطْلُوبَ عَنْهَا فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ نَظَرَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَبْهَمَ جَوَابَهُ أَمَرَهُ بِتَفْسِيرِهِ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ عَنْهُمَا إنْ كَانَ فِيهِ طُولٌ وَالْتِبَاسٌ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ، وَلَا يَدَعُ الْحُكَّامُ أَخْذَ الْخُصُومِ بِذَلِكَ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا صَدَرَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْجَوَابِ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ لَمَّا وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَهُوَ مِمَّنْ عَاصَرَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَصَدَهُ أَخَوَانِ كَانَا مِمَّنْ يَتَوَكَّلُونَ فِي أَبْوَابِ الْقُضَاةِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ فَقَالَ الْقَاضِي لِلْآخَرِ أَجِبْهُ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: وَمَنْ أَذِنَ لَك أَنْ تَسْتَدْعِيَ الْجَوَابَ عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي: لَمْ آذَنْ لَك فِي ذَلِكَ فَوَجَمَ الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015