وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ الْخَصْمَيْنِ إذَا دَخَلَا عَلَيْهِ مَنْ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا بَلْ يَسْكُتُ حَتَّى يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا بِالْكَلَامِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْأَلُهَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَهُوَ شَأْنُ حُكَّامِ الْعَدْلِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَكَتَ عَنْهُمَا حَتَّى يَنْطِقَ أَحَدُهُمَا وَيَسْتَدْعِي مِنْ الْقَاضِي الْجَوَابَ. وَإِنْ شَاءَ سَأَلَهُمَا جَمِيعًا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَقَالَ: مَا لَكُمَا وَمَا حَاجَتُكُمَا، وَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِسُؤَالٍ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ أَحَدِهِمَا يُشْعِرُ بِعِنَايَةِ الْقَاضِي بِهِ وَقَبُولِهِ عَلَيْهِ دُونَ خَصْمِهِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فِي مَدْخَلِهِمَا إلَيْهِ، فَلَا يَأْذَنُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَفِي مَخْرَجِهِمَا عَنْهُ فَلَا يَصْرِفُ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَفِي لَحْظِهِ وَقَبُولِهِ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا وَفِي كَلَامِهِ لَهُمَا، وَقَدْ نَزَلَ ضَيْفٌ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَخُوصِمَ عِنْدَهُ فَأَمَرَ ضَيْفَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ. وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَبْدَؤُهُمَا بِالسُّؤَالِ فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَسْت مُدَّعِيًا أَقَامَهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِخَصْمِهِ فَيَكُونُ هُوَ الطَّالِبُ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ هُوَ الْمُدَّعَى نَظَرَ إلَى الطَّلَبِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَعَا صَاحِبَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَهُمَا بِالِانْصِرَافِ، فَمَنْ أَبَى إلَّا الْمُحَاكَمَةَ فَهُوَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ تَنَازَعَا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ بِالْخِيَارِ فِيمَنْ يَبْدَأُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَقَدْ أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ هَذَا التَّخْيِيرِ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَبْدَأُ بِأَضْعَفِهِمَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُتْرَكَا إلَى أَنْ يَصْطَلِحَا، وَالْآخَرُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَاسْتَضْعَفَ الْمَازِرِيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَدْ لَا يَصْطَلِحَانِ وَبِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَنَازَعَانِ فِيمَنْ يَبْدَأُ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ.

وَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا قَالَ أَنَا الْمُدَّعِي وَسَكَتَ الْآخَرُ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا سَكَتَ الْآخَرُ عَنْ إنْكَارِ قَوْلِهِ إنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي، قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ الْقَاضِي حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ الْآخَرُ نُطْقًا.

وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى آخَرَ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ الطَّالِبُ لَمْ آذَنْ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَمْ أَرْضَ بِهَا وَلَا بُدَّ أَنْ تُعَادَ الْيَمِينُ، فَأَمَرَ الْقَاضِي غُلَامَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا كَرَاهَةَ أَنْ يُكَلِّفَهُ إعَادَةَ الْيَمِينِ الَّتِي قَضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَإِذَا اسْتَحْلَفَهُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَحْلُوفِ لَهُ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ تَغَيَّبَ وَثَبَتَ تَغَيُّبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَقَامَ مَنْ يَقْتَضِيهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015