الِاسْتِهْلَالِ، وَيَرَى ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حَكَمُوا بِجَوَازِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَحْدَهَا عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ، إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَدْلَةً مَرْضِيَّةً، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَ صَبِيًّا عَلَى أَنَّهُ اسْتَهَلَّ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ وَأُمُّهُ فَوَرَّثَهُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، فَإِذَا كَانَ مَعَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ رَجُلٌ كَانَ أَتَمَّ لِلشَّهَادَةِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ.
عَنْ الْحَلِفِ عَلَى طِبْقِ الدَّعْوَى وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ جَحَدَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ طَالِبُ الْحَقِّ أَنْ يُحْلِفَهُ مَا أَسْلَفْتُك شَيْئًا وَقَالَ الْمَطْلُوبُ أَحْلِفُ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، قَالَ مَالِكٌ: يَحْلِفُ مَا لَك عِنْدِي حَقٌّ، وَمَا الَّذِي ادَّعَيْت عَلَيَّ بِهِ بَاطِلٌ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ.
وَقَالَ أَصَبْغُ: حَضَرْت ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَدْ حَكَمَ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَسْلَفَهُ شَيْئًا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ فِيمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يُحْلِفَهُ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَك قِبَلِي، وَيُرِيدُ الطَّالِبُ يَمِينَهُ أَنْ مَا بِعْتُك، قَالَ مَالِكٌ: بَلْ يَحْلِفُ مَا بِعْتنِي ذَلِكَ وَلَا لَك حَقٌّ قِبَلِي، وَهَذَا يُرِيدُ الْأَلْغَازَ وَالتَّحْرِيفَ. قَالَ فَضْلٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَعْنِي فِي يَمِينِهِ أَنَّى قَدْ ابْتَعْت مِنْك بِمَا تَقُولُ وَقَضَيْتُك الثَّمَنَ، فَأَنَا أَحْلِفُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَك قِبَلِي، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ وَقَضَاهُ، كَانَ الْحَقُّ قَدْ لَزِمَهُ، وَصَارَتْ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ أَنَّهُ مَا قَضَاهُ شَيْئًا، ثُمَّ يَأْخُذُ حَقَّهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا لَك عَلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا تَدَّعِيهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَقَدْ بَرِئَ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، وَكَانَ الْمُدَّعِي مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ وَالظِّنَّةِ وَالطَّلَبِ بِالشُّبْهَةِ.