مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ، فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ. قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَلَا الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَاءَ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ، قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَعَهُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ يَوْمَ ابْتَاعَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَصِلَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهَذَا الْعَيْبِ، إلَّا حِينَ قِيَامِهِ؛ لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ مَا اعْتَلَّ بِهِ ابْنُ كِنَانَةَ، وَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ مَعَ شَاهِدِهِ، فَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ قَالَهُ أَصَبْغُ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى الطَّلَاقِ، مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا، فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّهَا وَيَكُونُ فِرَاقًا.
فَرْعٌ: وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي مَالٍ يُؤَدِّي إلَى الْعِتْقِ، مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ شَاهِدًا عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَتِمُّ الْعِتْقُ، وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يَرُدُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْعِتْقَ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ الدَّيْنِ.
فَرْعٌ: وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْقَذْفِ، مِثْلَ أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ رَجُلًا ظَاهِرَ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي مَنْ يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْمَقْذُوفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ، أَوْ يَقْذِفُهُ مُكَاتَبًا، فَيَأْتِي الْمُكَاتَبُ بِشَاهِدٍ أَنَّهُ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَهَلْ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ، وَالْيَمِينُ كَالِاسْتِظْهَارِ أَوْ الْيَمِينُ كَشَاهِدٍ ثَانٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْحَقَّ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ.