مَا يَتَقَاضَاهُ صِحَّةُ ذَلِكَ الْحَقِّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِ الْمَالِ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي نُجُومَهُ، وَالرَّجُلُ يَشْتَرِي أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى وَقْتٍ، وَالْوَقْتُ لَيْسَ هُوَ بِمَالٍ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى غَيْرِ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ.
وَمِمَّا يُخْتَلَفُ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهِ جِرَاحُ الْعَمْدِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهُمَا: جَوَازُ شَهَادَتِهِنَّ فِيهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْجُرْحِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ وَقِيلَ تَجُوزُ فِيمَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ دُونَ مَا كَبُرَ، فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ، إنَّمَا فِيهِ دِيَةُ ذَلِكَ الْجُرْحِ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، فَحُمِلَ مَا بَقِيَ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ عَلَى ذَلِكَ، وَحُمِلَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى بَابِ الْمَالِيَّاتِ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إلَّا شَاهِدَانِ وَهُوَ أَجْرَى عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّقْلُ عَمَّنْ شَهِدَ بِمَالٍ وَالْوَكَالَةُ بِطَلَبِ الْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْمَنْعُ لِأَشْهَبَ، فَحَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عَلَى شَهَادَتِهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَنَعَ أَشْهَبُ اعْتِبَارًا بِأَعْيَانِهِنَّ لَا بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَكَذَلِكَ فَسْخُ الْعُقُودِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَكُلُّ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ إلَّا الْمَالَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَاَلَّذِي الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالرَّهْنُ وَالْقِرَاضُ وَالْغَصْبُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالصُّلْحُ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَضَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى بِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ