إذا حثّهنّ الرّكب في مدلهمّة ... أحاديثها مثل اصطخاب الضّرائر

وكقول زهير (?) :

تسمع للجنّ عازفين بها ... تضبح عن رهبة ثعالبها

في أشباه لهذا كثيرة- طلبوا الحيلة فقالوا: علّة ما يسمعون من هذا ويرون- انفراد القوم وتوحّشهم في الفلوات والقفار، ومن انفرد فكّر وتوهّم واستوحش وتخيّل، فرأى ما لا يرى، وسمع ما لا يسمع، كما قال حميد بن ثور (?) :

مفزّعة تستحيل الشّخوص ... من الخوف تسمع ما لا ترى

وقالوا: ومن أحناش الأرض، وأحناش الطير في المهامة والرمال- ما لا يظهر ولا يصوّت إلا بالليل كالصّدى والضّوع والبوم واليراع، فإذا سمع أحدهم حسيس هامة، أو زقاء بوم، أو رأى لمع يراعة من بعد- وجب قلبه، وقفّ شعره، وذهبت به الظّنون.

وقالوا: في النهار ساعات تتغيّر فيها مناظر الأشباح، وتتضاعف أعدادها، وفربما رئي الصغير كبيرا، والكبير صغيرا، والواحد اثنين، وقد يسمع لأصوات الفلا والحرار، مثل الدّويّ، ولذلك قال ذو الرّمة (?) :

إذا قال حادينا لتشبيه نبأة ... صه، لم يكن إلا دويّ المسامع

وبهذا سمّيت الفلاة: دوّيّة، كأن الدّوّ حكاية ما يسمعون، ثم نسب المكان إليه، قال الأعشى (?) :

فوق ديمومة تخيّل بالسّفر ... قفارا إلا من الآجال

يريد بقوله: تخيّل بالسفر، أنهم يرونها مرّة على هيئة، ومرة على هيئة، قال كعب ابن زهير (?) :

وصرماء مذكار كأنّ دويّها ... بعيد جنان اللّيل مما يخيّل

حديث أناسيّ فلمّا سمعته ... إذا ليس فيه ما أبين فأعقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015