عن ابن عباس أنه قال: كلّ القرآن أعلم إلا أربعا: غسلين، وحنانا، والأوّاه، والرّقيم.

وكان هذا من قول ابن عباس في وقت، ثمّ علم ذلك بعد.

حدثني محمد بن عبد العزيز، عن موسى بن مسعود، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: تعلمونه وتقولون: آمنا به.

ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]- لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين، لأنهم جميعا يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.

وبعد:

فإنّا لم نر المفسرين توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرّوه كلّه على التفسير، حتى فسروا (الحروف المقطّعة) في أوائل السّور، مثل: الر، وحم، وطه، وأشباه ذلك. وسترى ذلك في الحروف المشكلة، إن شاء الله.

فإن قال قائل: كيف يجوز في اللغة أن يعلمه الراسخون في العلم، والله تعالى يقول: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، [آل عمران: 7] وأنت إذا أشركت الراسخين في العلم انقطعوا عن (يقولون) ، وليست هاهنا واو نسق توجب للراسخين فعلين. وهذا مذهب كثير من النحويين في هذه الآية، ومن جهته غلط قوم من المتأوّلين؟.

قلنا له: إن (يقولون) هاهنا في معنى الحال، كأنه قال: الرّاسخون في العلم قائلين: آمنا به. ومثله في الكلام: لا يأتيك إلا عبد الله، وزيد يقول: أنا مسرور بزيارتك. يريد: لا يأتيك إلا عبد الله وزيد قائلا: أنا مسرور بزيارتك.

ومثله لابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا في قصيدة أولها (?) :

أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيّام برامه

والرّيح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في غمامه

أراد: والبرق لا معا في غمامة تبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الرّيح في البكاء، لم يكن لذكره البرق ولمعه معنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015