باب التناقض والاختلاف

قال أبو محمد: عبد الله بن مسلم بن قتيبة:

فأما ما نخلوه من التناقض في مثل قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) [الرحمن: 39] . وهو يقول في موضع آخر: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) [الحجر: 92، 93] .

فالجواب في ذلك: أن يوم القيامة يكون كما قال الله تعالى: مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4] ، ففي مثل هذا اليوم يسألون وفيه لا يسألون، لأنهم حين يعرضون يوقفون على الذنوب ويحاسبون، فإذا انتهت المسألة ووجبت الحجة: انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ [الرحمن: 37] وانقطع الكلام، وذهب الخصام، واسودّت وجوه قوم، وابيضت وجوه آخرين، وعرف الفريقان بسيماهم، وتطايرت الصحف من الأيدي: فآخذ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار.

وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) [الرحمن: 39] قال: هو موطن لا يسألون فيه.

ومثله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص: 78] .

وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق: 28] وقوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) [المرسلات: 35، 36] ، وهو يقول في موضع آخر: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) [الزمر: 31] ويقول: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 111، والنمل: 64] .

والجواب عن هذا كله نحو جوابنا الأول، لأنهم يختصمون ويدعي المظلومون على الظالمين، ففي تلك الحال يختصمون، فإذا وقع القصاص وثبت الحكم قيل لهم:

لا تختصموا ولا تنطقوا، ولا تعتذروا، فليس ذلك بمغن عنكم ولا نافع لكم، فيخسؤون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015