ونؤلّف بينها حتى يستوي البنان. ومن قدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر.
ومثل هذا رجل قلت له: أتراك تقدر على أن تؤلّف هذا الحنظل في خيط؟ فيقول لك: نعم وبين الخردل.
وأما قوله سبحانه: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ فقد كثرت فيه التفاسير: فقال سعيد بن جبير يقول: سوف أتوب، سوف أتوب.
وقال الكلبي: يكثر الذنوب، ويؤخّر التوبة.
وقال آخرون: يتمنّى الخطيئة.
وفيه قول آخر: على طريق الإمكان- إن كان الله تعالى أراده- وهو: أن يكون الفجور بمعنى: التكذيب بيوم القيامة، ومن كذّب بحق فقد فجر.
وأصل الفجور: الميل، فقيل للكاذب والمكذّب والفاسق: فاجر لأنه مال عن الحق.
وقال بعض الأعراب لعمر بن الخطاب رحمه الله- وكان أتاه فشكى إليه نقب إبله ودبرها واستحمله فلم يحمله- (?) :
أقسم بالله أبو جفص عمر ... ما مسّها من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهمّ إن كان فجر أي: كذب.
وهذا وجه حسن لأن الفجور اعتراض بين كلامين من أسباب يوم القيامة، أولهما: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ؟ والآخر: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ؟
فكأنه قال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه في الآخرة؟ بلى نقدر على أن نجمع ما صغر منها ونؤلف بينه.