فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم، والمراد أهل بيته، فورّى عن ذكرهم به، وأراد بالعائبين واللائمين بني أمية.

وليس يجوز أن يكون هذا للنبي، صلّى الله عليه وسلم، لأنه ليس أحد من المسلمين يسوءه مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يعنّف قائلا عليه، ومن ذا يساوى به، ويفضّل عليه، حتى يكثر في مدحه الضّجاج واللّجب؟.

وإن الشعراء ليمدحون الرجل من أوساط الناس فيفرطون ويفرّطون فيغلون وما يرفع الناس إليهم العيون ولا يرتقبون، فكيف يلام هذا على الاقتصاد في مدح من الإفراط في مدحه غير تفريط، ولكنه أراد أهل بيته.

والتأويل الآخر: أن الناس كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أصنافا:

منهم كافر به مكذّب، لا يرى إلا أن ما جاء به الباطل.

وآخر: مؤمن به مصدّق يعلم أن ما جاء به الحق.

وشاك في الأمر لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.

فخاطب الله سبحانه هذا الصّنف من الناس فقال: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم فسل الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، مثل: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري وأشباههم، ولم يرد المعاندين منهم فيشهدون على صدقه، ويخبرونك بنبوّته، وما قدّمه الله في الكتب من ذكره فقال: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [الزمر: 2] ، وهو يريد غير النبي، صلّى الله عليه وسلم.

كما قال في موضع آخر: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: 10] .

وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) [الانفطار: 6] .

ويا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) [الانشقاق: 6] .

وقال: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ [الزمر: 8] .

ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.

ومثله قول الشاعر «1» :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015