ثم قال: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 146] ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون.
ثم قال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء: 146] ولم يقل وسوف يؤتيهم الله، بغضا لهم، وإعراضا عنهم، وحيدا بالكلام عن ذكرهم.
وقوله في المنافقين: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [المنافقون: 4] فدلّ على جبنهم، واستشرافهم لكل ناعر، ومرهج على الإسلام وأهله.
وأخذه الشاعر- وأنّى له هذا الاختصار- فقال (?) :
ولو أنّها عصفورة لحسبتها ... مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما
يقول: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبيلتين.
وقال الآخر (?) :
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليكم ورجالا
وهذا في القرآن أكثر من أن نستقصيه.
وقد قال قوم بقصور العلم وسوء النظر في قوله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ [الكهف: 17] : وما في هذا الكلام من الفائدة؟.
وما في الشمس إذا مالت بالغداة والعشيّ عن الكهف من الخبر؟.
ونحن نقول: وأيّ شيء أولى بأن يكون فائدة من هذا الخبر؟ وأيّ معنى ألطف مما أودع الله هذا الكلام؟.
وإنما أراد عز وجل: أن يعرّفنا لطفه للفتية، وحفظه إياهم في المهجع، واختياره لهم أصلح المواضع للرّقود، فأعلمنا أنه بوّأهم كهفا في مقنأة الجبل (?) ، مستقبلا بنات