أَمْثِلَةٌ عَنْ أَحْوَالِ الْعُشَّاقِ:
قَالَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ1:
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ رَوْعَةٌ ... لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبِيبُ
وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً ... فَأُبْهَتُ حَتَّى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
وَأُصْرَفُ عَنْ رَأْيِي الَّذِي كُنْتُ أَرْتَئِي ... وَأَنْسَى الَّذِي عددت حِينَ تَغِيبُ2
وَقَدْ جُنَّ قَيْسُ3 بْنُ الْمُلَوَّحِ الْمَعْرُوفُ بِالْمَجْنُونِ، وَذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهَامَ مَعَ الْوَحْشِ، وَكَانَ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ تُذْكَرَ لَيْلَى، وَقَالَ:
أَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى تُخُلِّسَ4 عَقْلُهُ ... فَأَصْبَحَ مَذْهُوبًا بِهِ كُلَّ مَذْهَبِ
إِذَا ذُكِرَتْ لَيْلَى عَقَلْتُ وَرَاجَعْتُ ... رَوَائِعَ عَقْلِي5 مِنْ هَوًى مُتَشَعِّبِ
وَلَمَّا خَرَجَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى مَكَّةَ لِيَعُوذَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَشْفِي لَهُ بِهِ، سمع ب"منى" قَائِلًا يَقُولُ: "يَا لَيْلَى" فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:
وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى ... فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي
دَعَا بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرِهَا فَكَأَنَّمَا ... أَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي
وَقَدْ مَاتَ بِالْوَجْدِ أَقْوَامٌ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ، وَالنَّهْدِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَجْلَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن قريب، قَالَ: