قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّه لَيْسَ -هَهُنَا- اخْتِلَافٌ، بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ، فَإِذَا وُضِعَ بِهِ زَالَ الِاخْتِلَافُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْعَيِيَّ الْمُتَعَفِّفَ"، فَإِنَّهُ يُرِيدُ: السَّلِيمَ الصَّدْرِ، الْقَلِيلَ الْكَلَامِ، الْقَطِيعَ1 عَنِ الْحَوَائِجِ، لِشِدَّةِ الْحَيَاءِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بِعَقِبِ هَذَا الْكَلَامِ: "وَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ السأَّال الْمُلْحِفَ"، وَهَذَا ضِدُّ الْأَوَّلِ.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ عِبَادَهُ عَلَى فَضْلِ اللَّدِّ2 وَطُولِ اللِّسَانِ، وَلُطْفِ الْحِيلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ مَنَافِعُ، وَفِي بَعْضِهِ زِينَةٌ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ"3، يُرَادُ: الَّذِينَ سَلِمَتْ صُدُورُهُمْ لِلنَّاسِ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الْغَفْلَةُ.
وَأَنْشَدْنَا لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطِفْلَةٍ مَيَّالَةٍ ... بَلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا
وَذَكَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَمَانًا فَقَالَ: "خَيْرُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، كُلُّ نُوَّمَةٍ" يَعْنِي: الْمَيِّتَ الدَّاءِ "أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ، لَيْسُوا بِالْعُجُلِ الْمَذَايِيعِ البُذُر"5.
وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ6، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِن الله يحب الأخفياء