وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ.

غَيْرَ أَنَّ بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْحَجَرِ بِقَوْلٍ سَمِعَهُ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقُولَ: "كَانَ أَبْيَضَ، وَهُوَ مِنَ الْجَنَّةِ" بِرَأْيِ نَفسه.

وَإِنَّمَا الظَّان بن الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّهُ رَآهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، فَقَضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ حَيْثُ أُخِذَتْ.

وَالْأَخْبَار المقوية لقَوْل بن عَبَّاسٍ فِي الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: أَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ لِسَانٌ وَشَفَتَانِ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ، يُصَافِحُ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا.

وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَ لُؤْلُؤَةً بَيْضَاءَ، فَسَوَّدَهُ الْمُشْرِكُونَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "هَلْ فِي الْجَنَّةِ حِجَارَةٌ"؟

فَمَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ حِجَارَةٌ، وَفِيهَا الْيَاقُوتُ، وَهُوَ حَجَرٌ، وَالزُّمُرُّدُ حَجَرٌ، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مِنَ الْحِجَارَةِ؟

وَمَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ مِنْ تَفْضِيلِ اللَّهِ تَعَالَى حَجَرًا، حَتَّى لُثِمَ وَاسْتُلِمَ؟

وَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَعْبِدُ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ من الْعَمَل وَالْقَوْل، وَيُفَضِّلُ بَعْضَ مَا خَلَقَ عَلَى بَعْضٍ.

فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لَيْسَتْ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.

وَالسَّمَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْكُرْسِيُّ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْعَرْشُ أَفْضَلُ مِنَ الْكُرْسِيِّ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَالشَّامُ أَفْضَلُ مِنَ الْعِرَاقِ.

وَهَذَا كُلُّهُ مُبْتَدَأٌ بِالتَّفْضِيلِ، لَا بِعَمَلٍ عَمِلَهُ، وَلَا بِطَاعَةٍ كَانَتْ مِنْهُ.

كَذَلِكَ الْحَجَرُ أَفْضَلُ مِنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015