وَلَا أَعْلَمُنِي سَمِعْتُ فِي التَّفَاوُتِ بِأَشَدَّ مِنْ شَيْءٍ حَدَّثَنِيهِ الرِّيَاشِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: وَلَّانِي خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ1 "حَفْرَ الْمَبَارِكِ"2، فَجَاءَنِي الْعُمَّالُ بِضِرْسٍ، فَوَزَنْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ، وَلَسْنَا نَدْرِي أَهْوَ ضِرْسُ إِنْسَانٍ أَوْ ضِرْسُ جَمَلٍ، أَوْ فِيلٍ؟
وَحَدَّثَنِي الرِّيَاشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: وُجِدَ فِي حَجَاجِ3 رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِيقِ ضَبْعٌ وَجِرَاؤُهَا4.
قَالَ: وَهَذَا قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَجَاجَ جَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَظَنَّهُ الرَّائِي لَهُ أَنَّهُ حَجَاجُ رَجُلٍ.
وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَجَاجُ رَجُلٍ، مَا وَقَعَ فِيهِ التَّفَاوُتُ؛ لَأَنَّ الْحَجَاجَ مِنَ الْإِنْسَانِ إِذَا خَلَا وَاسِعٌ، ثُمَّ هُوَ يُفْضِي إِلَى الْقِحْفِ5، وَلَا يُنْكَرُ -فِي قَدْرِ أَجْسَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ- أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجَاجِ وَالْقِحْفِ، مَا ذُكِرَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
الَّذِي يَقَعُ فِيهِ فَسَادُ الْحَدِيثِ فَأَخْبَارٌ مُتَقَادِمَةٌ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرْوُونَهَا:
تُشْبِهُ أَحَادِيثَ الْخُرَافَةِ، كَقَوْلِهِمْ: "إِنَّ الضَّبَّ كَانَ يَهُودِيًّا عَاقًّا، فَمَسَخَهُ اللَّهُ تَعَالَى ضَبًّا"، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاسُ: "أَعَقُّ مِنْ ضَبٍّ".
وَلَمْ تَقُلِ الْعَرَبُ: "أَعَقُّ مِنْ ضَبٍّ" لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ حُسُولَهُ6 إِذا جَاع، قَالَ الشَّاعِر: