خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تَقُولُوا لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ"1 وَهَذَا تَنَاقُضٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ، لِأَنَّ الْمَسِيحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ مُتَقَدِّمٌ، رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يُنْزِلُهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، عِلْمًا لِلسَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} 2 وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} .
وَإِذَا نَزَلَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا مِمَّا أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتَقَدَّمِ الْإِمَامَ مِنْ أُمَّتِهِ، بَلْ يُقَدِّمُهُ، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَيَزِيدُ فِي الْحَلَالِ" فَإِنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: "مَا يَزِيدُ فِي الْحَلَالِ3 إِلَّا النِّسَاءُ" فَقَالَ: "وَذَاكَ"4؛ ثُمَّ ضَحِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَلَيْسَ قَوْلُهُ "يَزِيدُ الْحَلَّالَ" أَنَّهُ يُحِلُّ لِلرَّجُلِ، أَنْ يَتَزَوَّجَ خَمْسًا، وَلَا سِتًّا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَنْكِحِ النِّسَاءَ، حَتَّى رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، فَإِذَا أَهْبَطَهُ، تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَزَادَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، أَيِ ازْدَادَ مِنْهُ.
فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِلَّا عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ بَشَرٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "قُولُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تَقُولُوا لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ"؛ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَوْلِهَا، نَاقِضًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَبِيَّ بَعْدِي" لِأَنَّهُ أَرَادَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، يَنْسَخُ مَا جِئْتُ بِهِ، كَمَا كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ تَبْعَثُ بِالنُّسَخِ، وَأَرَادَتْ هِيَ: "لَا تَقُولُوا إِنَّ الْمَسِيح لَا ينزل بعده".