قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "ارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ" قَالُوا: وَأَيْنَ رِيَاضُ الْجَنَّةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَجَالِسُ الذِّكْرِ" 1.
وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "عَائِدُ الْمَرِيضِ، عَلَى مَخَارِفِ الْجَنَّةِ" 2 وَالْمَخَارِفُ: الطُّرُقُ، وَأَحَدُهَا: مَخْرَفَةٌ.
وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ مَخْرَفَةِ النَّعَمِ" أَيْ طَرِيقِهَا.
وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ، فَكَأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ مَجَالِسُ الذِّكْرِ، تُؤَدِّي إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَهِيَ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ3: "الْجَنَّةُ تَحْتَ الْبَارِقَةِ" -يَعْنِي السُّيُوفَ، وَ "الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ" 4.
يُرِيدُ أَنَّ الْجِهَادَ يُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ، فَكَأَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَهُ.
وَقَدْ يَذْهَبُ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَا بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ، حِذَاءَ رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ مِنْبَرَهُ حِذَاءَ تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ،
فَجَعَلَهُمَا مِنَ الْجنَّة، إِذْ كَانَا فِي الْأَرْضِ، حِذَاءَ ذَيْنِكَ فِي السَّمَاءِ.
وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ -عِنْدِي- وَالله أعلم.