وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ.
مِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ آخِرَ الزَّمَانِ، فَقَالَ: "الْمُتَمَسِّكُ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِدِينِهِ، كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ" 1.
وَمِنْهَا حَدِيثٌ آخَرُ، ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الشَّهِيدَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، كَشَهِيدِ بَدْرٍ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْغُرَبَاءِ، فَقَالَ: "الَّذِينَ يُحْيُونَ مَا أَمَاتَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي" 2.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "خَيْرُ أُمَّتِي، الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ" 3 فَلَسْنَا نَشُكُّ فِي أَنَّ صَحَابَتَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، مِثْلُ الْفَضْلِ الَّذِي أُوتُوهُ.
وَإِنَّمَا قَالَ: "مَثَلُ أُمَّتِي، مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ" 4 عَلَى التَّقْرِيبِ لَهُمْ مِنْ صَحَابَتِهِ كَمَا يُقَالُ: مَا أَدْرِي، أَوَجْهُ هَذَا الثَّوْبِ أَحْسَنُ أَمْ مُؤَخَّرُهُ.
وَوَجْهُهُ أَفْضَلُ إِلَّا أَنَّكَ أَرَدْتَ التَّقْرِيبَ مِنْهُ.
وَكَمَا تَقُولُ: مَا أَدْرِي، أَوَجْهُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَحْسَنُ، أَمْ قَفَاهَا.
وَوَجْهُهَا أَحْسَنُ إِلَّا أَنَّكَ أَرَدْتَ تَقْرِيبَ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْحُسْنِ.
وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ فِي تِهَامَةَ: إِنَّهَا كَبَدِيعِ الْعَسَلِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ، وَالْبَدِيعُ: الزِّقُّ.
وَإِذَا كَانَ الْعَسَلُ فِي زِقٍّ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ اخْتِلَافَ اللَّبَنِ فِي الْوَطْبِ5 فَيَكُونُ أَوَّلُهُ خَيْرًا مِنْ آخِرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَقَارَبُ فَلَا يَكُونُ لِأَوَّلِهِ كَبِيرُ فضل، على آخِره.