قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إِنَّهُ قَطَعَهَا، وَإِنَّمَا قِيلَ أَمَرَ بِقَطْعِهَا.

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَا يَفْعَلَ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ وَالتَّرْهِيبِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ إِيقَاعُ الْفِعْلِ.

وَمِثْلُهُ: الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ1 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمن تجدع عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ"2.

وَالنَّاسُ جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ رَجُلٌ بِعَبْدِهِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَبْدِهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ.

وَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرْهِيبَ السَّيِّدِ وَتَحْذِيرَهُ، أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ، أَوْ يُمَثِّلَ بِهِ، وَلَمْ يُرِدْ إِيقَاعَ الْفِعْلِ.

وَكَانَ الْحُكْمُ، يَجِبُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا بِعَبْدِهِ، أَوِ اقْتَصَّ مِنْهُ لِعَبْدِهِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: مَنْ فَعَلَ فَعَلْنَا بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَحْذِيرٌ وَتَرْهِيبٌ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ" 3 إِنَّمَا هُوَ تَرْهِيبٌ، لِئَلَّا يُعَاوِدَهُ.

وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ.

وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْوَعِيدِ كُلِّهِ: أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ، عَلَى حَدِيثِ4 أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا، فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ، وَمَنْ أَوْعَدَهُ عِقَابًا فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ"5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015