فَرُبَّمَا حَضَرْتُ بَعْضَ مَجَالِسِهِمْ، وَأَنَا مُغْتَرٌّ بِهِمْ طَامِعٌ أَنْ أَصْدُرَ عَنْهُ بِفَائِدَةٍ، أَوْ كَلِمَةٍ تَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ، أَوْ تَهْدِي لِرُشْدٍ.
فَأَرَى مِنْ جُرْأَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقِلَّةِ تُوَقِّيهِمْ، وَحَمْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْعَظَائِمِ لِطَرْدِ1 الْقِيَاسِ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ انْقِطَاعٌ -مَا أَرْجِعُ مَعَهُ خَاسِرًا نَادِمًا.
وَقَدْ ذَكَرَهُمْ مُحَمَّدُ2 بْنُ بَشِيرٍ الشَّاعِرُ، وَقَدْ أَصَابَ فِي وَصْفِهِمْ، حِينَ يَقُولُ:
دَعْ مَنْ يَقُولُ3 الْكَلَامَ نَاحِيَةً ... فَمَا يَقُولُ الْكَلَامَ ذُو وَرَعِ
كُلُّ فَرِيقٍ بَدْوُهُمْ حَسَنٌ ... ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْدُ لِلشُّنَعِ
أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ ... لَمْ يَكْ فِي قَوْلِهِ بِمُنْقَطِعِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ4 بْنُ مُصْعَبٍ:
ترى الْمَرْء بعجبه أَنْ يَقُولَا ... وَأَسْلَمُ لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يَقُولَا
فَأَمْسِكْ عَلَيْكَ فُضُولَ الْكَلَامِ ... فَإِنَّ لِكُلِّ كَلَامٍ فُضُولًا
وَلَا تَصْحَبَنَّ أَخَا بِدْعَةٍ ... وَلَا تَسْمَعَنَّ لَهُ الدَّهْرَ قِيلًا
فَإِنَّ مَقَالَتَهُمْ كَالظِّلَالِ ... يُوشِكُ أَفْيَاؤُهَا أَنْ تَزُولَا
وَقَدْ أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ ... وَكَانَ الرَّسُولُ عَلَيْهَا دَلِيلًا
وَأَوْضَحَ لِلْمُسْلِمِينَ السَّبِيلَ ... فَلَا تَتْبَعَنَّ5 سِوَاهَا سَبِيلا