قَالَ: هَذَا مَعَ تَحَكُّمِهِ فِي الدِّينِ، كَقَوْلِهِ: أَقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقَنَا، وَلَا أَقْطَعُ فِي الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ وَأَقْطَعُ فِي النَّوْرة، وَلَا أَقْطَعُ فِي الْفَخَّارِ وَالزُّجَاجِ.

فَكَأَنَّ الْفَخَّارَ وَالزُّجَاجَ لَيْسَا مَالًا وَكَأَنَّ الْآبِنُوسَ لَيْسَ خَشَبًا.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: وَسُئِلَ -يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ- عَنِ الشُّرْبِ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ.

فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَاتَمِ فِي إِصْبَعِكَ، فَتُدْخِلُ يَدكَ الْمَاءَ، فَتَشْرَبُهُ1 بِهَا.

وَكَانَ يُعَدِّدُ مِنْ هَذَا، أَشْيَاءَ يَطُولُ الْكِتَابُ بِهَا.

وَأَعْظَمُ مِنْهَا، مُخَالَفَةُ كِتَابِ اللَّهِ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَءُوهُ.

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَدِي لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتَصَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، وَالله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} 2.

يُرِيدُ: فَمَنْ عَفَا عَنِ الدَّمِ، فَلْيَتَّبِعْ بِالدِّيَةِ اتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: يُطَالِبُ مُطَالَبَةً جَمِيلَةً، لَا يُرْهِقُ الْمَطْلُوبَ، وَلْيُؤَدِّ الْمُطَالَبُ الْمَطْلُوبَ، أَدَاءً بِإِحْسَانٍ، لَا مَطْلَ3 فِيهِ وَلَا دِفَاعَ عَنِ الْوَقْتِ.

ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} يَعْنِي تَخْفِيفًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، مِمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أُلْزِمُوه، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيٍّ إِلَّا أَنْ يَقْتَصَّ أَو يعْفُو.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015