ثم إنَّ "هذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتاً عظيماً، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها، فعلى العبد الموفّق أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها ويجتهد في التحقق بها علماً وعملاً، فإنَّ نصيبه من الخير والفلاح والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة"1.
وخير ما يُوضّح به أصول هذه الشجرة وفروعها حديث شعب الإيمان المعروف الذي خرّجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شُعب الإيمان"، فهذا الحديث فيه أعظم بيان لهذه الشجرة المباركة أصولها وفروعها سواء القائم منها بالقلب أو اللسان أو الجوارح، ولهذا يقول الإمام ابن منده - رحمه الله - في كتابه الإيمان بعد أن أورد حديث ابن عمر المتقدّم والمشتمل على تمثيل المؤمن بالنخلة: " ... ثم فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بسنته إذ فهم عن الله مَثَلَه فأخبر أن الإيمان ذو شُعب أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، فجعل أصله الإقرار بالقلب واللسان، وجعل شعبه الأعمال"2.
وقد اجتهد جماعةٌ من شراح هذا الحديث في عدِّ هذه الشُعب وحاولوا حصرها، وصنّفوا في هذا مصنّفات عديدة مختصرة ومطوّلة، واتّبعوا في ذلك طرائق متنوّعة، إلاّ أنَّ أحسن طريقةٍ في ذلك طريقةُ ابن حبان رحمه الله، إذ هي طريقة فذّة فريدة استغرقت وقتاً طويلاً وجهداً بالغاً.
قال رحمه الله في وصف طريقته هذه: "وقد تتبّعت معنى الخبر مدّةً، وذلك