منفعة، فثمرها منفعة، وجذعها فيه من المنافع ما لا يُجهل للأبنية والسقوف وغير ذلك، وسعفُها تُسقف به البيوت مكان القصب، ويُستر به الفُرَج والخَلَلُ، وخوصُها يُتخذ منه المكاتل والزنابيلُ وأنواعُ الآنية، والحُصُر وغيرها، ولِيفُها وكربها فيه من المنافع ما هو معلوم عند الناس"1.
وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن مع إخوانه وجلسائِه ورفقائه، لا يُرى فيه إلاّ الأخلاق الكريمة، والآداب الرفيعة، والمعاملة الحسنة، والنصح لجلسائه، وبذل الخير لهم، ولا يصل إليهم منه ما يضر، بل لا يصل إليهم منه إلاَّ ما ينفع كالكلمة الطيّبة والموعظة الحسنة والخلق الجميل والعون والمساعدة ونحو ذلك، فهو كالنخلة ما أخذتَ منه من شيء نفعك.
حادي عشر: أنّ النخل بينه تفاوت عظيمٌ في شكله ونوعه وثمره، فليست النخيل في مستوى واحد في الحسن والجودة، بل بينه من التفاوت والتمايز الشيء الكثير، كما قال الله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2، فهو متفاوت في طعمه ومنظره ونوعه، وبعضه أفضل من بعض.
وهكذا الشأن بين المؤمنين، فالمؤمنون متفاوتون في الإيمان، وليسوا في الإيمان على درجة واحدة، بل بينهم من التفاوت والتفاضل الشيء الكثير، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ} 3.