به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب الأرضَ، فكانت منها طائفةٌ قبِلت الماءَ فأنبتت الكلأَ والعشبَ الكثيرَ، وكانت منها أجادِب قد أمسكت الماءَ فنفع الله به النَّاسَ فشربوا منها ورعوا وسقوا، وأصابت طائفة أخرى إنَّما هي قِيعان فلا تمسك ماءً ولا تنبتُ كلأً، كذلك مثلي ومثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِمَ وعلَّم، ومثَل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلتُ به"1.

خامساً: أنَّ النخلةَ قد يخالطها دغلٌ ونبت غريبٌ ليس من جنسها قد يؤذي النخلةَ، ويضعف نموها، ويزاحمها في سقيها؛ ولهذا تحتاج النخلة في هذه الحالة إلى رعايةٍ خاصّة وتعاهدٍ من صاحبها بحيث يُزال عنها هذا الدغل والنوابت المؤذية، فإن فعل ذلك كمُل غرسه، وإن أهمله أوشك أن يغلب على الغرس فيكون له الحكم ويضعف الأصل.

وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمن، لا شك أنَّه يصادفُه في الحياة أمورٌ كثيرةٌ قد توهي إيمانَه وتُضعف يقينَه، وتزاحم أصلَ الإيمان الذي في قلبه؛ ولهذا يحتاج المؤمن أنْ يحاسب نفسَه في كلِّ وقت وحين، ويجاهدها في ذلك، ويجتهد في إزالة كلِّ وارد سيئٍ على القلب، ويُبعد عن نفسه كلَّ أمر يؤثِّر على الإيمان كوساوس الشيطان، أو النفس الأمّارة بالسوء، أو الدنيا بفتنها ومغرياتها أو غير ذلك، والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} 2.

سادساً: أنَّ النخلةَ كما أخبر الله {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} والأكل الثمر، فهي تؤتي ثمرها كلَّ حين ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاءً إمّا تمراً أو بُسراً أو رُطَباً.

وكذلك المؤمن يصعد عملُه أوّل النهار وآخره، قال الربيع بن أنس: {كُلَّ حِينٍ} : "أي كلّ غدوة وعشية؛ لأنَّ ثمر النخل يؤكل أبداً ليلاً ونهاراً وصيفاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015