تاملات (صفحة 8)

فالمحاضرات التي نشرت تحت عنوان (حديث في البناء الجديد)، جاءت حصيلة تلك الزيارة عام 1959م، وقد اشتملت على أسلوب يوضح فكره المبثوث في مختلف الكتب.

وقد خلفت هذه الزيارة صلات بين المؤلف وأهل الفكر في دمشق، فما عاد إلى القاهرة حتى دعته وزارة الثقافة والإرشاد في ذلك العهد إلى إلقاء محاضرتين في سورية، وتتابعت المحاضرات بعد ذلك، فإذا هي يكمل بعضها بعضاً، وإذا هي تأملات جديدة اتسع لها كتاب جديد صدر بعد فترة من مجموعة المحاضرات الأولى.

وعلى الرغم من زمن طويل يفصلنا عن أفكار هذه المحاضرات، فإنها ما تزال تخاطبنا في مسيرتنا نحو المستقبل. وما تزال تأملات مالك بن نبي في صميم المشكلة، تحفزنا في السياسة كما تحفزنا في الإقتصاد والإجتماع، إلى تأصيل المنهج وبناء الثقافة القائمة على توظيف الطاقات الإنمائية في خدمة المجتمع.

ولقد نرى مالكاً كاتباً إسلامياً، يختار الإسلام صيغة تعبير عن نهضتنا وثقافتنا المرتقبة، ولكنه أبعد ما يكون عن أولئك الذين يزينون الإسلام بزينة الحضارة المعاصرة.

فقد انعكس على الفكر الإسلامي الحديث موقعنا من الحضارة الغربية وصلتنا بها بصفتنا مستسلمين لمعطياتها غير مشاركين فيها. وقد أسهم هذا اللبس في شائعة الشعور بأزمة الإسلام في العصر الحديث.

وإذا كانت الشائعة هذه ظاهرة في كتابات الذين اختاروا العقائد الغربية المتصارعة، فإنها تبدو في العمق النفسي لكثير من أولئك الذين يطرحون الإسلام دينا ورسالة. فالمسلم في إطار الحضارة المعاصرة إما متهِم لها أو متهَم منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015