تاملات (صفحة 58)

فقيرة، لا تساوي ثروة إندونيسيا التي تعد من حيث الطبيعة، أغنى بلاد الله في الأرض.

فعندما نعقد الموازنة بين التجربتين، مع مراعاة الظروف التي أحاطت بكل واحدة، وفي ضوء ما قدمنا عن التجربة الصينية، فإن دور القيم الإقتصادية يتضاءل أمام القيم الإنسانية.

فالتجربة الألمانية نجحت لا لأنها تصرفت في عدد أكبر من الوسائل الفنية،

مما كان في رصيد التجربة الإندونيسية، ولكن لأنها تصرفت في وسائل وقيم إنسانية تتسم بفعالية أكثر.

وإذا أردنا أكثر تفصيلاً عن سبب النجاح من ناحية والفشل من الناحية الأخرى نرى:

أن مشروع الدكتور (شاخت) في إندونيسيا أخفق، لأن هذا الإختصاصي أغفل جانباً هاماً في العملية الإقتصادية، وعاملاً أساسياً فيها، ألا وهو الإنسان، فقد خطط مشروعه المذكور في ضوء معلوماته عن الإنسان الألماني، الذي يحمل في معادلته الشخصية معطيات تجربة اجتماعية سابقة، بينما لا يجد إنسان إندونيسيا في طوره الحاضر هذه المعطيات في معادلته الشخصية.

إن عنصر الحركة الدافعة في الإنسان أو ما نطلق عليه اسم الفعالية، يدخل

في بناء الشخصية عن طريق التمثل النفساني لعناصر ثقافية معينة، يمتصها الفرد في الجو الاجتماعي الذي يعيش فيه. كما يمتص الحيوان العناصر الحيوية عن طريق التنفس في الجو الطبيعي.

ولا شك أن الفعالية تتركب في بناء الشخصية بكل بساطة، عن طريق تنسيق حركي تأليفي للمقومات الأولية: الفكر، اليد، المال بمعناه الصحيح أي باعتباره العمل المخزون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015