تاملات (صفحة 29)

المتحضر يكفل الضمانات للفرد مهما كانت قيمته، والمجتمع المتأخر لا يقدم الضمانات ولا يمكنه تقديمها، لأن الحياة تتكامل بوصفها كُلاًّ ولا يمكن للمجتمع أن يتحمل مسؤولية هنا ووسائله في مجال آخر قصيرة.

إذن فحينما نقول إن كيان الفرد مرتبط بصلته بالحضارة، فإنه ينبغي لنا

أن نلاحظ بأن صلة الفرد بالحضارة أو مكانه منها هي في ثلاث مراحل: فالإنسان إما أن يكون قبل الحضارة، وإما أن يكون في نعيم الحضارة، وإما أن يكون قد خرج من الحضارة. والمراحل الثلاث هذه تختلف تمام الاختلاف. فمن المفهوم أن الإنسان المتحضر يختلف إذا اقتصرنا على هذا التحديد عن الإنسان غير المتحضر. ولكن ينبغي أيضاً أن نقيم نسبة أخرى بين الذي خرج من الحضارة والذي لم يدخلها بعد، فالإنسان الخارج من الحضارة يحتوي على بعض الرواسب، ويكون أكثر مصدراً للمصاعب في المجتمع من ذلك الذي لم يدخل بعد إلى هذه الحضارة.

إننا حينما ندرس قضية الفرد على هذه الطريقة، فإننا نرى أنه مهما تكن مرحلتنا نحن الأمة العربية من الحضارة اليوم، سواء كنا قبل الحضارة أم بعدها، لا بد لنا من تشييد حضارة، لأن التخطيطات التي دخلت فيها الأمة هي في نهاية التحليل تهدف إلى شيء واحد، سواء عبرنا عنه أو لم نعبر، هو تكوين حضارة، فحينما نقول إننا نريد أن نكون مجتمعاً يقدم الضمانات الاجتماعية للفرد ويؤيد الامن في العالم، أو أننا نريد أن ندرس قضايا مجتمعنا، إقتصادية كانت أم اجتماعية فإن شروط وصولنا إلى تحقيق هذا كله هي شروط الحضارة. بل إنه لا يمكن أن تنبع هذه الشروط إلا من الحضارة، ولا يمكن أن تتحقق إلا في إطارها. فحينما نفكر في مشكلة المصاعب التي تصدر عن الفرد وتواجهه فلا بد لنا أن نفكر في عودة الفرد إلى الحضارة أو دخوله إليها. وهنا نعلم لماذا نحن الآن نواجه صعوبات خاصة. ذلك لأننا في نقطة انتقال الفرد إلى الحضارة أو رجوعه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015