تاملات (صفحة 167)

الأطنان، فإننا لا نستطيع أن نقيم من هذا التكديس البناء ولو بعد مئات السنين. بينما لو سلكنا طريق البناء فإننا في شهر واحد نبني على الأقل شقة واحدة.

وهذا يقتضينا أن نفكر في المجتمع تفكير بناء وليس تفكير تكديس: لأن التكديس في المجتمع ظاهرة مضرة، وهي تظهر حتى في الأفكار. فقبل خمسين سنة نتكاتب ونتراسل في رسائلنا الأدبية والودية، فنبتدئ بعد الحمد لله بعشرة أسطر من الديباجات التقليدية والألقاب، ثم نقول: والحمد لله أنا بخير وأرجو أن تكونوا بخير والسلام عليكم: وهكذا تنتهي رسائل عالمنا. ومجتمعنا هذا نموذج من رسائلنا. أو إن شئت فقل رسائلنا نموذج من مجتمعنا.

ولقد ظلت هذه الظاهرة في تفكيرنا حتى حينما استيقظنا، فإنا نرى حتى في بعض كتبنا هذا النوع من التكديس: فقد قرأت كتاباً تحت عنوان (مشكلاتنا الإجتماعية)، وتحت هذا العنوان رأيت فصولا أربعة أو خمسة تعالج موضوعات الفقر والجهل والمرض: فتحت عنوان الفقر نرى كل ما يتعلق بالحياة الإقتصادية من الحديث عن المصارف والبضاعة والأسواق، أي بكل ما يتصل بكلمة فقر وما يقابلها من غنى وثروة. ذلك لأن كلمة فقر توحي بهذه المعاني جميعاً.

فهذا ضرب من تداعي المعاني والأفكار، إذ أضع كلمة وآتي تحتها بكل الأفكار التي تدخل تحتها.

ومن الطبيعي أن هذا ليس ببناء، ولكن تكديس وجمع للمفردات لا يؤدي إلى حل المشكلات ولا يأتي بنتيجة، إذ القارئ لا يشعر بأنها قدمت له حقيقة.

ثم نراه بعد ذلك يأتي إلى فصل الجهل فيتحدث عن المدارس وما يتعلق بها ويأتي بالإحصائيات في هذا المضمار، وكذلك الحالة الصحية وما يدخل تحت هذا العنوان من معان. فهذا النوع من الدراسات اسمه دراسات تكديس أو دراسات جزئية لا تأتينا بالحلول للقضايا، وإنما فقط تعطينا تلميحات لقضايا جزئية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015