قُرَيْش: إِنَّا لنَرْجُو أَن يكون الله سُبْحَانَهُ قد رَضِي عَمَلكُمْ وَقبل نفقتكم فَاهْدِمُوهُ فهابت قُرَيْش هَدمه، فَقَالُوا: من يبْدَأ فيهدم؟ فَقَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: أَنا أبدؤكم فِي هَدمه أَنا شيخ كَبِير، فَإِن أصابني أَمر كَانَ قد دنا أَجلي، وَإِن كَانَ غير ذَلِك لم يزرأ بِي، فعلا الْبَيْت وَفِي يَده عتلة يهدم بهَا فتزعزع من تَحت رجله فَقَالَ: اللَّهُمَّ لم نزع إِنَّمَا أردنَا الْإِصْلَاح. وَجعل يَهْدِمهَا حجرا حجرا بالعتلة فهدم يَوْمه ذَلِك، فَقَالَت قُرَيْش: نَخَاف أَن ينزل بِهِ الْعَذَاب إِذا أَمْسَى. فَلَمَّا أَمْسَى لم ير بَأْسا، فَأصْبح الْوَلِيد غادياً على عمله فهدمت قُرَيْش مَعَه حَتَّى بلغُوا الأساس الَّذِي رفع عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام الْقَوَاعِد من الْبَيْت فَأَبْصرُوا حِجَارَة كَأَنَّهَا الْإِبِل الْخلف، لَا يُطيق الْحجر مِنْهُ ثَلَاثُونَ رجلا يُحَرك الْحجر مِنْهَا فترتج جوانبها قد تشبك بَعْضهَا بِبَعْض، فَأدْخل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة عتلة بَين حجرين فانفلقت مِنْهُ فلقَة فَأَخذهَا أَبُو وهب بن عَمْرو بن عَائِذ بن عمرَان بن مَخْزُوم فنزت من يَده ثمَّ عَادَتْ فِي مَكَانهَا، وطارت برقة كَادَت أَن تخطف أَبْصَارهم ورجفت مَكَّة بأسرها، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك أَمْسكُوا عَن أَن ينْظرُوا إِلَى مَا تَحت ذَلِك، فَلَمَّا جمعُوا مَا أخرجُوا من النَّفَقَة قلت النَّفَقَة عَن أَن تبلغ لَهُم عمَارَة الْبَيْت كُله، فتشاوروا فِي ذَلِك وَأجْمع رَأْيهمْ عَن أَن يقصروا عَن الْقَوَاعِد ويحجروا مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الْبَيْت ويتركوا بَقِيَّته فِي الْحجر عَلَيْهِ جِدَار مدَار يطوف النَّاس من وَرَائه، فَفَعَلُوا ذَلِك وبنوا فِي بطن الْكَعْبَة أساساً يبنون عَلَيْهِ من شقّ الْحجر، وَتركُوا من وَرَائه من فنَاء الْبَيْت فِي الْحجر سِتَّة أَذْرع وشبراً فبنوا على ذَلِك، فَلَمَّا وضعُوا أَيْديهم فِي بنائها، قَالُوا: ارْفَعُوا بَابهَا من الأَرْض واكبسوها حَتَّى لَا تدْخلهَا السُّيُول وَلَا ترقى إِلَّا بسلم، وَلَا يدخلهَا إِلَّا من أردتم ثمَّ إِن كرهتم أحدا دفعتموه، فَفَعَلُوا ذَلِك وبنوها بساق من حِجَارَة وسَاق من خشب بَين الْحِجَارَة حَتَّى انْتَهوا إِلَى مَوضِع الرُّكْن فَاخْتَلَفُوا فِي وَضعه، وَكثر الْكَلَام فِيهِ وتنافسوا فِي ذَلِك فَقَالَت بَنو عبد منَاف وزهرة: هُوَ فِي الشق الَّذِي وَقع لنا. وَقَالَت بَنو تَمِيم ومخزوم: هُوَ فِي الشق الَّذِي وَقع لنا. وَقَالَت سَائِر الْقَبَائِل: لم يكن الرُّكْن مِمَّا استهمنا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو أُميَّة بن الْمُغيرَة: يَا قوم إِنَّمَا أردنَا الْبر وَلم نرد الشَّرّ، فَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تنافسوا فَإِنَّكُم إِن اختلفتم نسيت أُمُوركُم وطمع فِيكُم غَيْركُمْ، وَلَكِن حكمُوا بَيْنكُم أول من يطلع عَلَيْكُم من هَذَا الْفَج. قَالُوا: رَضِينَا وَسلمنَا فطلع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ وشاحاً نمرة فَقَالُوا: هَذَا الْأمين قد رَضِينَا بِهِ فحكموه، فَبسط رِدَاءَهُ ثمَّ وضع فِيهِ الرُّكْن ودعا من كل ربع رجلا فَأخذُوا بأطراف الثَّوْب، فَكَانَ من بني عبد منَاف عتبَة بن ربيعَة، وَكَانَ فِي الرّبع الثَّانِي أَبُو ربيعَة بن الْأسود وَكَانَ أسن الْقَوْم، وَفِي الرّبع الثَّالِث الْعَاصِ