من الْكَعْبَة ونصبا على الصَّفَا والمروة؛ ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر النَّاس عَن مثل مَا ارتكبا، فَلم يزل أَمرهمَا يدرس ويتقادم حَتَّى صَارا صنمين يعبدان حَتَّى كَانَ يَوْم الْفَتْح فكسرا، وَكَانَت مَكَّة لَا يقر فِيهَا ظَالِم وَلَا بَاغ وَلَا فَاجر إِلَّا نفى مِنْهَا، وَكَانَ نزلها بِعَهْد العماليق وجرهم جبابرة، فَكل من أَرَادَ الْبَيْت بِسوء أهلكه الله، فَكَانَت تسمى بذلك الباسة وبكة.
فصل ذكر ولَايَة خُزَاعَة الْكَعْبَة بعد جرهم وَأمر مَكَّة
عَن أبي صَالح قَالَ: لما طَالَتْ ولَايَة جرهم استحلوا من الْحرم أموراً عظاماً، ونالوا مَا لم يَكُونُوا ينالون، وأكلوا مَال الْكَعْبَة الَّذِي يهدي إِلَيْهَا سرا وَعَلَانِيَة، وَكلما عدا سَفِيه مِنْهُم على مُنكر وجد من أَشْرَافهم من يمنعهُ وَيدْفَع عَنهُ، وظلموا من دَخلهَا من غير أَهلهَا حَتَّى دخل إساف بنائلة الْكَعْبَة ففجر بهَا، أَو قبّلها فمسخا حجرين، فرق أَمرهم فَمِنْهَا وضعُوا وَتَنَازَعُوا أَمرهم بَينهم وَاخْتلفُوا وَكَانُوا قبل ذَلِك من أعز حَيّ فِي الْعَرَب وَأَكْثَرهم رجَالًا وأموالاً وسلاحاً، فَلَمَّا رأى ذَلِك مضاض بن عَمْرو قَامَ فيهم خَطِيبًا ثمَّ ذكر مقَالَته لَهُم الَّتِي ذَكرنَاهَا آنِفا، وَمَا قَالَ لَهُ مخدع فِي الْجَواب، فَعِنْدَ ذَلِك عمد مضاض بن عَمْرو إِلَى غزالين كَانَا فِي الْكَعْبَة من ذهب وأسياف قلعية فَدَفعهَا فِي مَوضِع بِئْر زَمْزَم، وَكَانَ مَاء زَمْزَم قد نضب وَذهب لما أحدثت جرهم فِي الْحرم مَا أحدثت حَتَّى عَفا مَكَان الْبِئْر ودرس، فَقَامَ مضاض بن عَمْرو وَبَعض وَلَده فِي لَيْلَة مظْلمَة فحفر فِي مَوضِع زَمْزَم وأعمق ثمَّ دفن فِيهَا الأسياف والغزالين، فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ كَانَ من أهل مأرب مَا كَانَ، وَذَلِكَ أَلْقَت طريفة الكاهنة إِلَى زَوجهَا عَمْرو بن عَامر، الَّذِي يُقَال لَهُ: مزيقياء بن مَاء السَّمَاء وَهُوَ عَمْرو بن عَامر بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن امْرِئ الْقَيْس أَنَّهَا قد رَأَتْ فِي كهانتها أَن سد مأرب