الْكَرِيم، ولكونها فِي وسط الْمَسْجِد، وَمِمَّا أحدث أَيْضا فِي الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة رواقان أَمر بإنشائهما السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فِي سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة، فاتصل ظلّ السّقف القبلي بهما وَعم نفعهما، وهما المقوس أعلاهما وأزيلت الْمَقْصُورَة الَّتِي كَانَت تظل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة للاستغناء عَنْهَا بهما. وَكَانَ المتسبب فِي إِزَالَتهَا إِمَام الْمَدِينَة الشَّرِيفَة شرف الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الأسيوطي، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَت يجْتَمع فِيهَا أهل الْبدع وَكَانَت لَهُم كالمجتهد فاجتهد فِي إِزَالَتهَا وهدمها لَيْلًا وأدخلها فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة، فتربعت الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة، توفّي رَحمَه الله يَوْم الرَّابِع والعشري من صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، وَهَذِه صفة مِثَال الْحَائِز الَّذِي بناه عمر بن عبد الْعَزِيز وَصفَة حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَسطه. قَالَ الْحَافِظ محب الدّين: وَاعْلَم أَن فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة سمعُوا صَوت هدّة فِي الْحُجْرَة المقدسة، وَكَانَ الْأَمِير يَوْمئِذٍ قَاسم بن مهنا الْحُسَيْنِي فأخبروه بِالْحَال فَقَالَ: يَنْبَغِي أَن ينزل شخص لينْظر مَا هَذِه الهدة، فَلم يَجدوا أمثل حَالا من الشَّيْخ عمر النشائي شيخ شُيُوخ الصُّوفِيَّة بالموصل، فَاعْتَذر لمَرض كَانَ بِهِ يحْتَاج إِلَى الْوضُوء فِي غَالب الْأَوْقَات، فألزموه فَامْتنعَ من الْأكل وَالشرب مُدَّة، وَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إمْسَاك الْمَرَض عَنهُ بِقدر مَا يبصر وَيخرج، وَنزل بحبال من بَين السقفين وَمَعَهُ شمعة، وَدخل إِلَى الْحُجْرَة فَرَأى شَيْئا من السّقف قد وَقع على الْقُبُور المقدسة فأزاله وكنس التُّرَاب بلحيته، وَأمْسك الله عَنهُ الدَّاء بِقدر مَا خرج وَعَاد إِلَيْهِ، توفّي الشَّيْخ عمر بِمَكَّة بعد نُزُوله بتسع سِنِين فِي سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة، وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة فِي أَيَّام قَاسم الْمَذْكُور وجد فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة رَائِحَة مُنكرَة، فذكروه للأمير فَأَمرهمْ بالنزول، فَنزل الطواشي بَيَان الْأسود أحد خدام الْحُجْرَة الشَّرِيفَة، وَنزل مَعَه الصفي الْموصِلِي مُتَوَلِّي عمَارَة الْمَسْجِد، وَهَارُون الشادي الصُّوفِي بعد أَن بذل جملَة من المَال للأمير فِي ذَلِك، فوجدوا هراً قد هَبَط من الشباك الَّذِي فِي أَعلَى الْحَائِز بَين الْحَائِز وَبَين بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخرجوه وطيبوا مَكَانَهُ، وَكَانَ نزولهم يَوْم السبت الْحَادِي عشر من ربيع الْآخِرَة.