ذكر الْمَسَاجِد الْمَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة
فَمِنْهَا: مَسْجِد قبَاء. قَالَ الله تَعَالَى: " لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم " أَي بنيت جدره وَرفعت قَوَاعِده. عَن ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَالْحسن: هُوَ مَسْجِد قبَاء، وتعلقوا بقوله تَعَالَى: " من أول يَوْم " وَهُوَ قَول بَرِيرَة وَابْن زيد وَعُرْوَة، وَدَلِيل الظّرْف يَقْتَضِي الرِّجَال المتطهرين فَهُوَ مَسْجِد قبَاء. وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء: " فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ". فِيهِ أَي من حاضريه، قيل: كَانُوا يجمعُونَ بَين المَاء وَالْحجر. مَسْجِد قبَاء فِي بني عَمْرو بن عَوْف كَانَ مربداً لكلثوم بن الْهدم فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبناه مَسْجِدا وأسسه وَصلى فِيهِ قبل أَن يدْخل الْمَدِينَة حِين قدومه من مَكَّة، كَمَا تقدم. وَتقدم فِي بَاب الْفَضَائِل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فضل قبَاء وَالصَّلَاة فِيهِ. وروى نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى إِلَى الاسطوان الثَّالِث فِي مَسْجِد قبَاء الَّتِي فِي الرحبة. قَالَ الْحَافِظ محب الدّين: وَلم يزل مَسْجِد قبَاء على مَا بناه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن بناه عمر بن عبد الْعَزِيز حِين بنى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووسعه، ونقشه بالفسيفساء وسقفه بالساج وَعمل لَهُ مَنَارَة، وَجعل لَهُ أروقة وَفِي وَسطه رحبة، فتهدم حَتَّى جدده جمال الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَزِير بني زنكي فِي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة، قَالَ: وذرعته فَكَانَ طوله ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ ذِرَاعا راجحاً قَلِيلا، وَعرضه كَذَلِك، وارتفاعه فِي السَّمَاء عشرُون ذِرَاعا، وَطول منارته فِي سطحه اثْنَان وَعِشْرُونَ ذِرَاعا، وعَلى رَأسهَا قبَّة نَحْو الْعشْرَة أَذْرع، وَفِي الْمَسْجِد تسع وَثَلَاثُونَ إسطوانة، بَين كل اسطوانتين سَبْعَة أَذْرع راجحة، وَفِي جدرانه طاقات فِي كل جَانب ثَمَان إِلَّا الْجَانِب الشَّامي فَإِن الثَّانِيَة سدت