ذكر أسوار الْمَدِينَة الشَّرِيفَة
السُّور الأول: نقل قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن خلكان: أَن هَذَا السُّور الْقَدِيم بناه عضد الدولة ابْن نوبَة الْمُسَمّى بالْحسنِ بن مُوسَى بعد السِّتين وثلاثمائة فِي خلَافَة الإِمَام الطائع لله بن الْمُطِيع، ثمَّ تهدم على طول الزَّمَان وَلم يبْق إِلَّا آثاره وَهِي بَاقِيَة إِلَى الْآن. السُّور الثَّانِي: هُوَ الَّذِي بناه جمال الدّين الْأَصْبَهَانِيّ على رَأس الْأَرْبَعين وَخَمْسمِائة. السُّور الثَّالِث: بناه السُّلْطَان الْملك الْعَادِل، وَذَلِكَ أَن الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ضَاقَتْ بِأَهْلِهَا فَلَمَّا قدم السُّلْطَان الْمَذْكُور فِي سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة إِلَى الْمَدِينَة بِسَبَب رُؤْيا رَآهَا، اسْتَغَاثَ بِهِ أهل الْمَدِينَة وطلبوا أَن يَبْنِي عَلَيْهِم سوراً يحفظهم ويحفظ مَوَاشِيهمْ، فَأمر بِبِنَاء هَذَا السُّور الْمَوْجُود الْيَوْم، فَبنى فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة، وَكتب اسْمه على بَاب البقيع وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم، وقصة الرُّؤْيَا على مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيّ وَغَيره: أَن السُّلْطَان مَحْمُودًا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَهُوَ يَقُول لَهُ فِي كل وَاحِدَة مِنْهَا: يَا مَحْمُود أنقذني من هذَيْن الشخصين الأشقرين فحلفه، فَاسْتَحْضر وزيره قبل الصُّبْح فَذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ: هَذَا أَمر حدث بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ غَيْرك، فتجهز وَخرج على عجل بِمِقْدَار ألف رَاحِلَة وَمَا يتبعهَا من خيل وَغير ذَلِك حَتَّى دخل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على غَفلَة من أَهلهَا، وزار وَجلسَ فِي الْمَسْجِد لَا يدْرِي مَا يصنع، فَقَالَ لَهُ وزيره: أتعرف الشخصين إِذا رأيتهما؟ قَالَ: نعم، فَأمره بِالصَّدَقَةِ وَطلب النَّاس عَامَّة وَفرق عَلَيْهِم ذَهَبا وَفِضة، وَقَالَ: لَا يبْقين أحد بِالْمَدِينَةِ إِلَّا جَاءَ، فَلم يبْق إِلَّا رجلَيْنِ مُهَاجِرين من أهل الأندلس نازلين فِي النَّاحِيَة الَّتِي تلِي قبْلَة حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَارج الْمَسْجِد عِنْد دَار آل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فطلبهما للصدقة فامتنعا، فجد فِي طلبهما فجيء بهما فَلَمَّا رآهما، قَالَ: هما هَذَانِ فَسَأَلَهُمَا عَن حَالهمَا، فَقَالَا: جِئْنَا للمجاورة، فَقَالَ: اصدقاني، وتكرر السُّؤَال حَتَّى أفْضى إِلَى معاقبتهما، فأقرا أَنَّهُمَا من النَّصَارَى وأنهما وصلا لكَي ينقلا من فِي هَذِه الْحُجْرَة المقدسة بِاتِّفَاق من ملوكهما، ووجدوهما قد حفرا نقباً من تَحت الأَرْض من تَحت حَائِط الْمَسْجِد القبلي، وهما قاصدان إِلَى جِهَة الْحُجْرَة الشَّرِيفَة، ويجعلان التُّرَاب فِي بِئْر عِنْدهمَا فِي الْبَيْت الَّذِي هما فِيهِ، فَضرب أعناقهما عِنْد الشباك الَّذِي فِي شَرْقي حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارج الْمَسْجِد، ثمَّ أحرقا آخر النَّهَار، وَركب وَتوجه إِلَى الشَّام. انْتهى. وَالله أعلم.