ذكر جلاء بني النَّضِير من الْمَدِينَة
اعْلَم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عقد حلفا بَين بني النَّضِير من الْيَهُود وَبَين بني عَامر، فَعدا عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي من بني النَّضِير على رجلَيْنِ من بني عَامر فَقَتَلَهُمَا، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني قُرَيْظَة يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة الْقَتِيلين، فَقَالُوا: نعم. ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا: إِنَّكُم لن تَجدوا الرجل على مثل حَاله هَذَا، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعِدا إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم، فَمن رجل يعلوا على هَذَا الْبَيْت فيلقي عَلَيْهِ صَخْرَة، فَصَعدَ أحدهم لذَلِك، فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر من السَّمَاء فَقَامَ وَرجع إِلَى الْمَدِينَة، وَأخْبر أَصْحَابه الَّذين مَعَه مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَأمرهمْ بالتهيؤ لحربهم، وَسَار حَتَّى نزل بهم فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع من الْهِجْرَة فَتَحَصَّنُوا فِي الْحُصُون، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقطع نخيلهم وَتَحْرِيقهَا، وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب، فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخليهم ويكف عَن دِمَائِهِمْ على أَن لَهُم مَا حملت الْإِبِل من أَمْوَالهم إِلَّا السِّلَاح فَفعل، فَخَرجُوا إِلَى خَيْبَر وَمِنْهُم من سَار إِلَى الشَّام، وخلوا الْأَمْوَال فَقَسمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين دون الْأَنْصَار إِلَّا أَن سهل بن حنيف وَأَبا دُجَانَة سماك بن خَرشَة ذكرا فقرا فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يسلم من بني النَّضِير إِلَّا رجلَانِ يَامِين بن عُمَيْر وَأَبُو سعيد بن وهب، أسلما على أَمْوَالهم فأحرزاهما، وَأنزل الله تَعَالَى فِي بني النَّضِير سُورَة الْحَشْر بأسرها، وَكَانَت نخيل بني النَّضِير تسمى نُوَيْرَة، وَقيل: بويرة، اسْم بَلْدَة أَو مَوضِع من مَوَاضِع بني النَّضِير.
حفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَنْدَق يَوْم الْأَحْزَاب، وَذَلِكَ أَن نَفرا من بني النَّضِير الَّذين أجلاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا بِخَيْبَر وَكَانَ رئيسهم حييّ بن أَخطب قدم هُوَ ورؤساء قومه إِلَى مَكَّة على قُرَيْش، فدعوهم لِحَرْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأطاعتهم قُرَيْش وغَطَفَان بِمن جمعُوا، فَلَمَّا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل التُّرَاب يَوْم الخَنْدَق حَتَّى