إِلَى الْآن، وَأصْلح بعد وُصُوله إِلَى مَكَّة غير مرّة.
أما صفتهَا فَإِنَّهَا غير مقَام الْحَنَفِيّ إسطوانتان من حِجَارَة، عَلَيْهَا عقد يشرف من أَعْلَاهُ، وَفِيه خَشَبَة مُعْتَرضَة فِيهَا خطاطيف للقناديل، وَمَا بَين الاسطوانتين من مقَام الشَّافِعِي لَا بِنَاء فِيهِ، وَمَا بَينهمَا من مقَام الْمَالِكِي والحنبلي مبْنى بحجارة مبيضة بالنورة، وَفِي وسط هَذَا الْبناء محراب، وَكَانَ عمل هَذِه المقامات على هَذِه الصّفة فِي سنة سبع وَثَمَانمِائَة لتبقى زَمَانا طَويلا. وَأما صفة مقَام الْحَنَفِيّ الْآن: فأربع أساطين من حِجَارَة منحوتة عَلَيْهَا سقف مدهون مزخرف بِالذَّهَب واللازورد، وَأَعْلَى السّقف مِمَّا يَلِي السَّمَاء مدكوك بالآجر مَطْلِي بالنورة، وَبَين الاسطوانتين المتقدمتين بِنَاء فِيهِ محراب مرخم، وَكَانَ ابْتِدَاء عمله على هَذِه الصّفة فِي شَوَّال أَو فِي ذِي الْقعدَة من سنة إِحْدَى وَثَمَانمِائَة، وَفرغ مِنْهُ فِي أَوَائِل سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانمِائَة. وَكَانَ بعض النَّاس أنكر عمله على هَذِه الصّفة، وَأفْتى بهدمه جمَاعَة مِمَّن عاصرناه من عُلَمَاء مصر، وَأفْتى بعض عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة بِجَوَاز بنائِهِ وإبقائه على حَاله وَعدم تَغْيِيره؛ لِأَن ذَلِك من بَاب التَّمْكِين لإِقَامَة الصَّلَاة وَفِيه مصلحَة عَظِيمَة لأهل الْمَسْجِد، يُؤَيّد ذَلِك مَا ذكره قَاضِي خَان فِي الدِّيات فِي فضل مَا يحدث فِي الْمَسْجِد أَن كل مُسلم مَنْدُوب إِلَى عمَارَة الْمَسْجِد، وَإِلَى مَا كَانَ من بَاب التَّمْكِين لإِقَامَة الصَّلَاة. انْتهى. قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن فَهد فِي حَاشِيَته على تَارِيخ الفاسي: رَأَيْت بِخَط وَالِدي مَا صورته: أفتى جمَاعَة من الْحَنَفِيَّة من أهل الْعلم بِجَوَاز بنائِهِ؛ لما فِيهِ من النَّفْع لعامة الْمُسلمين من الاستظلال من الشَّمْس والاستكفاف من الْبرد وَدفع الْمَطَر، وَأَن حكمه كالأروقة والأساطين الكائنة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام، وَقد أخرب سقف مقَام الْحَنَفِيَّة الْأَمِير سودون المحمدي فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وعمره أتقن مِمَّا كَانَ وَوضع عَلَيْهِ من أَعْلَاهُ قبَّة من خشب زوج مبيضة بالجص لَيْسَ لَهَا أثر من دَاخل سقف الْمقَام، وزاده فرشاً بحجارة حمر رخوة تعرف بحجارة المَاء، وَلم يكن هَذَا الْفرش فِيهِ وَلَا فِي غَيره من المقامات فِيمَا تقدم، وَهَذَا