المأزر واعتلقوا الْحذاء وخلصوا الغدران، وَسمعت الرفاق الْمُقبلَة إِلَى الْمَدِينَة فِي ذَلِك الْيَوْم صائحاً يَصِيح فِي السَّحَاب: أَتَاك الْغَوْث أَبَا حَفْص أَتَاك الْغَوْث أَبَا حَفْص، كل ذَلِك ببركة المبتعث بالرحمتين الدَّاعِي إِلَى الحياتين الْمَوْعُود بهما على يَدَيْهِ فِي الدَّاريْنِ. انْتهى كَلَام السُّهيْلي. وَقَالَ فِي تفجير زَمْزَم جِبْرِيل بالعقب دون أَن يفجرها بِالْيَدِ أَو غَيرهَا: إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لعقبه وراثة وَهُوَ مُحَمَّد وَأمته كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه ". أَي: فِي أمة مُحَمَّد. انْتهى.
عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أول مَا ذكر من أَمر عبد الْمطلب بن هَاشم جد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قُريْشًا خرجت فارة من أَصْحَاب الْفِيل وَهُوَ غُلَام شَاب، فَقَالَ: وَالله لَا أخرج من حرم الله أَبْتَغِي الْعِزّ فِي غَيره فَجَلَسَ عِنْد الْبَيْت، وأجلت عَنهُ قُرَيْش فَلم يزل ثَابتا فِي الْحرم حَتَّى أهلك الله الْفِيل وَأَصْحَابه، وَرجعت قُرَيْش وَقد عظم فِيهَا بصبره وتعظيمه محارم الله تَعَالَى، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِك وَقد ولد لَهُ أكبر بنيه وَهُوَ الْحَارِث بن عبد الْمطلب فَأدْرك، فَأتى عبد الْمطلب فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم خبئة الشَّيْخ الْأَعْظَم فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَين لي. فَأتي فِي الْمَنَام مرّة أُخْرَى فَقيل لَهُ: لحفرتكم بَين الفرث وَالدَّم فِي مَبْحَث الْغُرَاب فِي قَرْيَة النَّمْل مُسْتَقْبلَة الأنصاب الْحمر. فَقَامَ عبد الْمطلب فَمشى حَتَّى جلس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ينْتَظر مَا سمي لَهُ من الْآيَات، فنحرت بقرة بالحزورة، فجزرت تِلْكَ الْبَقَرَة فِي مَكَانهَا حَتَّى احْتمل لَحمهَا، فَأقبل غراب يهوي حَتَّى وَقع فِي الفرث فبحث عِنْد قَرْيَة النَّمْل، فَقَامَ عبد الْمطلب فحفر هُنَالك فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَقَالَت لعبد الْمطلب: مَا هَذَا الصنع؟ إِنَّا لم نَكُنْ نريك بِالْجَهْلِ لم تحفر فِي مَسْجِدنَا؟ فَقَالَ عبد الْمطلب: إِنِّي لحافر هَذِه الْبِئْر وَمُجاهد من صدني عَنْهَا. فَطَفِقَ هُوَ وَابْنه الْحَارِث يحفران وَلَيْسَ لَهُ ولد يَوْمئِذٍ غَيره، فسفه عَلَيْهِمَا نَاس من قُرَيْش فنازعوهما وقاتلوهما، وتناهى عَنهُ