أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد وجاور فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة أَمر بِالْحِجَارَةِ الَّتِي بَينهَا الْحجر الْأسود فثقبت بالماس من فَوْقهَا وتحتها ثمَّ أفرغ فِيهَا الْفضة. وَذكر المسبحي: أَن فِي سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة قلع الحجبة الْحجر الْأسود وَكَانَ " بضه مِنْبَر " وجعلوه فِي الْكَعْبَة خوفًا عَلَيْهِ، وأحبوا أَن يجْعَلُوا لَهُ طوقاً من فضَّة يشد بِهِ كَمَا كَانَ قَدِيما فِي عهد ابْن الزبير، فأصلحه صائغان حاذقان وَعَملا لَهُ طوقاً من فضَّة وأحكماه، قَالَ: وَعَن مُحَمَّد بن نَافِع الْخُزَاعِيّ: أَن مبلغ مَا على الْحجر الْأسود من الطوق وَغَيره ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعَة وَتسْعُونَ درهما على مَا قيل. انْتهى. قيل: والحلية الَّتِي على الْحجر الْأسود الْآن غير الْحِلْية الْمُتَقَدّمَة؛ لِأَن دَاوُد بن عِيسَى بن فليتة الحسني أَمِير مَكَّة أَخذ طوق الْحجر الْأسود قبيل عَزله من مَكَّة فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أَو فِي الَّتِي بعْدهَا على مَا ذكر غير وَاحِد من أهل التواريخ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون قلع الْحجر الْأسود ليعْمَل لَهُ طوق يصونه.
الْمقَام فِي اللُّغَة: مَوضِع قدم الْقَائِم. ومقام إِبْرَاهِيم: هُوَ الْحجر الَّذِي وقف عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم. وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد من الْمقَام فِي قَوْله تَعَالَى: " فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم ". فَقَالَ الْجُمْهُور: هُوَ الْحجر الْمَعْرُوف. وَقيل: الْبَيْت كُله مقَام إِبْرَاهِيم؛ لِأَنَّهُ بناه وَقَامَ فِي جَمِيع أقطاره. وَقيل: مَكَّة كلهَا. وَقيل: الْحرم كُله. وَالصَّحِيح قَول الْجُمْهُور. وَفِي سَبَب وُقُوفه عَلَيْهِ أَقْوَال؛ أَحدهَا: إِنَّه وقف عَلَيْهِ لبِنَاء الْبَيْت قَالَه سعيد بن جُبَير. الثَّانِي: إِنَّه جَاءَ من الشَّام فَطلب ابْنه إِسْمَاعِيل فَلم يجده فَقَالَت لَهُ زَوجته: انْزِلْ فَأبى. فَقَالَت: دَعْنِي أغسل رَأسك، فَأَتَتْهُ بِحجر فَوضع رجله عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكب فغسلت شقَّه، ثمَّ رفعته وَقد غَابَتْ رجله فِيهِ، فَوَضَعته تَحت الشق الآخر وغسلته فغابت رجله فِيهِ،