باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل إلى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر إلى جهة مصر وقال: يا مصر انظري أولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون أولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وأمثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال: قضى الأمر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم أنه أحضر امراءه وأمر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وأن يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وأن يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم أنه إذا مات يحملونه إلى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه إلى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر إلى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي أتاه بالبشارة أربعة أيام وذلك لأن اتباعه كانوا كتموا أمر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم وأحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وأمره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه أهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر إلى بلاد