...
الفصل الثالث: دولة أوسان
شهد جنوب شبه الجزيرة العربية من دولة الصغرى الثرية قصيرة الأجل دولة سميت باسم أوسن أو أوسان، نشأت إلى الجنوب من قتبان وامتدت في عصور مجدها حتى حدود حضرموت. وبقي اسمها حيًا في ألقاب بعض مواطنيها إلى ما بعد ظهور الإسلام.
ويبدو أن أوسان لم تكن في بداية أمرها غير منطقة رئيسية من دولة قتبان قرب مدخل البحر الأحمر وأشرفت على جزء من الساحل العربي الجنوبي، ثم انفصلت عنها في ظروف غير معروفة بعد أن جمعت الأحلاف حولها من أقاليم وقبائل مسورا ويافع ولحج ودثينة وأبيان، ووفرت لنفسها وحلفائها كيانًا مستقلًا جنبًا إلى جنب مع قتبان وسبأ.
ومضت أوسان تشق طريقها الحضاري مستعينة فيه بنشاطها التجاري الذي انتفعت فيه بخليج عدن، حتى اتسع طموح السبأيين في أواخر عهود المكربين وتحولت أطماعهم إليها، وحينذاك تداولت المناوشات بينهم وبينها، وحالفهم النصر عليها أحيانًا وحالفها النصر عليهم أحيانًا أخرى وذلك مما سمح للملوك الأوسانيين أن يسجلوا أخبار انتصاراتهم في معابد أربابهم، وسمح لهم كذلك بأن يأسروا جماعات من السبأيين ويحتفظوا بهم رهائن في أرضهم.
ومالت كفة النصر إلى جانب السبأيين في عهد المكرب الأخير كرب إيل وتر الثاني الذى دلت الشواهد على أنه تمتع إلى جانب مهارته في إرادة دقة الحرب بمهارة أخرى في شئون السياسة، فاستطاع أن يضمن حياد قتبان وحضرموت في حربه ضد أوسان كما ضمن حيادهما في حربه ضد معين على نحو ما سبق ذكره من قبل. وإذا صح أن أوسان كانت قبل استقلالها جزءًا من قتبان كان في ذلك تفسير لرضى هذه الأخيرة بمهاجمة السبأيين لها. وعدم دفاعها عنها، وزاد كرب إيل وتر على ذلك فاستمال حلفاء أوسان وأتباعها للتخلي عنها والانضمام إليه فاستجاب له بعضهم، ومن هؤلاء أمير كان يتولى أمر إقليم