بعضهم فيها. ومنهم رجل يدعى زيد إيل بن زيد دفن في مصر ووجد له تابوت في منطقة منف كتب عليه بحروف المسند ما يفهم منه أنه عمل في خدمة معبد مصري لعله سيرابيوم منف، وتولى توريد بعض المنتجات العربية إليه مثل المر والذريرة (قصب الطيب) وغيرهما على سفينة بحرية في مقابل ما كان يصدره إلى بلده من المنسوجات المصرية. ويعبر زيد إيل بن زيد عن استغراقه في الحياة المصرية تلقب بلقب وعب وهو لقب ديني مصري قديم يعني الكاهن المطهر. وأرخ هذا النص بالعام 22 للملك توليما يوث برتولمايوس وقد يقابل عام 263 ق. م. خلال عهد بطلميوس الثاني، أو بعده.
ووصل تجار معينيون بتجارتهم إلى جزيرة ديلوس في بحر إيجة في النصف الأخير من القرن الثاني ق. م. حيث وجدت فيها آثار صغيرة نقشت بنصوص عربية تدعو لأصحابها آلهة معين (وآلهة سبأ).
واستمرت معين في سبيلها السياسي وسبيلها الاقتصادي حتى دب الوهن في نظامها الحاكم واشتد بأس جيرانها، وتجرأت عليها دولة قتبان ودولة سبأ. وبدأت قتبان فاقتطعت جانبًا من أراضها، وأجبرتها (كما مر بنا في الفصل السادس) على عقد حلف معها احتفظت لنفسها فيه بالمكانة العليا لا سيما في أيام ملكي معين وقه إيل يثع وولده إيل يثع يشور الثاني. وحاولت قتبان أن تستغل معين في التضييق على دولة سبأ من الشمال، ولكن هذا زاد من حقد سبأ عليها فما لبثت هذه الأخيرة حتى استغلت انشغال قتبان بمشكلاتها الداخلية مع قبائل حمير وانفردت بمعين فدمرت عاصمتها قرناو واستولت على أجزاء متسعة من أراضيها قبيل الربع الثالث من القرن الأول ق. م. بحيث لم يذكرها استرابون في عام 24 ق. م. حينما صحب حملة القائد الروماني آيليوس جاللوس ضد الدولة العربية الجنوبية، مما يعني أنها كانت قد فقدت استقلالها على أيامه.
ولكن الانكماش السياسي لم يؤد إلى وقف نشاط المعينيين في مجالات التجارة فظلوا يقومون بدورهم فيها ويجنون مكاسبها تحت طاعة دولة سبأ القوية، وبهذه الصورة كتب عنهم بليني في القرن الميلادي الأول ما نقلناه عنه من قبل، كما كتب عنهم الرحالة الجغرافي بطلميوس في القرن الميلادي الثاني.