الاحتمال.
وإذا جاز عقد مثل هذه الصلة مع لغة أخرى من خارج شبه الجزيرة العربية فلا بأس من أن تضاف إليها مقارنة ثانية، وهي وجود لفظ مكة في اللغة المصرية القديمة ذات الصلة بمجموعة اللغات السامية، واستخدامه بما يعني الحماية وسلامة الوضع. وكما لم تكن اللغة البابلية غريبة تمامًا على إبراهيم عليه السلام مع ما قيل عن هجرته الأولى من جنوب العراق إلى جنوب الشام، فإن اللغة المصرية القديمة لم تكن غريبة كذلك عن إسماعيل عليه السلام مع بنوته للسيدة هاجر المصرية التي اصطحبته إلى مكة في رفقة إبراهيم، وما قيل كذلك في سفر التكوين من أن زوجته الثانية كانت مصرية أيضًا. وعلى أية حال فإن الاستشهاد باللفظين البابلي والمصري هنا لا يعني بالضرورة أنهما يمثلان مع لفظ مكة العربي مسمى واحدًا، ولا يعني أن أحد هذه الألفاظ الثلاثة قد اشتق من الآخر بالضرورة وإنما يكفي افتراض اشتقاقهما جميعًا من مصدر سامي قديم يصعب الآن تحديده.
ورادف القرآن الكريم بين اسم مكة وبين اسم بكة في الآية التي بدأنا الاستشهاد بنصها آنفًا. وقال المؤرخون القدامى بأنهما يكونان اسمًا واحدًا بعد قلب الميم باء على عادة بعض اللهجات العربية القديمة ومنها لهجة هوازن. أو يتكاملان بحيث تعبر بكة عن الكعبة والمسجد، وتكون مكة هي ما حوله فيما سوى ذلك من بطن الوادي. أما من حيث الاشتقاق اللفظي فقد قيل باشتقاق بكة من بك الأقدام حين التزاحم، كما قيل مؤخرًا صلتها بلفظ بك في اللغة الآرامية بمعنى البيت.
وتعددت أوصاف مكة بعد ذلك في المصادر العربية ومن أهمها فيما هو مشهور: أم القرى والبلد الأمين والقادس والمقدسة والعرش وأم الرحم ... إلخ.
ولم يجد الإخباريون والمؤرخون القدامى ما يقال عن سكان مكة الأوائل من قبل عهد إسماعيل إلا احتمال نسبتهم إلى العماليق وهم الأقوام شبه الأسطوريين، الذين ردتهم أنساب التوراة إلى عملاق بن أرفخشذ بن سام بن نوح، على حد قولها. ويبدو كما روى المفسرون أن انكشاف بئر زمزم بعد اختفائها وتفجرها بالماء كرامة لهاجر وإسماعيل قد أغريا بعض الجماعات العربية التي كانت تمر بها على النزول عندها بعد أن كانت تتجاوزها من قبل لشدة جدب أرضها وشح مائها. وكانت جرهم القحطانية أو بطن منها من أولى هذه القبائل، وقيل: إن إسماعيل أخذ عنها لغتها أو لهجتها العربية الجنوبية إلى جانب لغة أبيه الأمورية أو الآرامية ولغة أمه المصرية، وربما زوجته المصرية أيضًا، وتناسل له إثنا عشر