الفيوم قرب هيت في العراق. وبعد أن اطمأن قباذ إليه عزل المنذر الثالث وولى الحارث الكندي على أطراف فحكمها من الحيرة أو من الأنبار، وكان له أولاد كثيرون ولاهم رؤساء على القبائل العربية منذ أن ذاع صيته في البادية وخلال حكمه لمملكة الحيرة بوجه خاص، وأسند إلى أكبرهم حجر رياسة قبائل أسد وكنانة أو بني أسد بن خزيمة وغطفان، وكانت أسد قبيلة كبيرة تركزت في جنوب جبلي طيء على جانبي وادي الرمة وتوزعت بطونها فيما قيل بين المدينة وبين الفرات. فقبلت رياسته على مضض بحيث قيل: إنه لم يكن يقيم فيها وإنما كان يقيم في تهامة ويبعثث رسله ليجمعوا الإتاوة منها. ثم تشجع بما صارت إليه رئاسته فشن هجمات خاطفة على حدود الغساسنة، وتجرأ أخوه معد يكرب بمثل جرأته وكان يلي قيس عيلان فأغار على حدود فلسطين وأوغل فيها حتى أوفد قيصر الروم أناستاسيوس وفدًا إلى أبيه الحارث ليوقف شره.
وهكذا زاد شأن الحارث الكندي واستمر على حكم الحيرة وما حولها، ولكن لفترة قليلة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات 525م-528م ثم مالبثت الآية أن انقلبت عليه حين توفي ملك الفرس الذي ولاه وعضده. وكان المنذر الثالث قد لجأ بعد عزله إلى بعض حلفائه من القبائل واستجمع قواه بينهم ثم عاد ليسترجع ملكه. ووجد التأييد من ملك فارس الجديد كسرى أنو شروان الذي سمح له باستعادة ملك الحيرة، وعزل الكندي ففر وتبعته جيوش المنذر، واختلفت الروايات العربية فيما إذا كان أفلت منها أم قتلته.
وأدت هزيمة الحارث أو قتله إلى أن انقلبت القبائل الخاضعة له ضد آله وبنيه بحيث قيل: إن تغلب سلمت ثمانية وأربعين فردًا من أسرته إلى المنذر فأمر بضرب رقابهم جميعًا. ونعاهم امرؤ القيس كثيرًا في شعره. وكان شر البلية أن تناحر أبناء الحارث بعضهم مع بعض حتى ذهبت ريحهم فقيل على سبيل المثال: إن ولدًا للحارث يدعى شرحبيل كان يحكم قبائل بكر بن وائل وما والاها من قبائل المنطقة الشرقية اختلف مع أخر أصغر، له يدعى مسلمة كان يحكم قبائل تغلب والنمر بن قاسط. وزكى المنذر ملك الحيرة الفرقة بين الأخين، فتقاتلا وأضعف كل منهما هيبة الآخر، فتنمر لهما أتباعهما وحلفاؤهما إلى أن قتل الأول فيما يسمى يوم الكلاب وهو ماء بين البصرة والكوفة، وفر الثاني، فكر المنذر ملك الحيرة عليه بجيشه وقتل من اتباعه خلقًا كثيرًا.
أما أسد فقد زاد حقدها على ولده حجر، ولما اشتد وعماله عليها تمكنت من قتله والفتك بأهله في ظروف اختلف الرواة في تصويرها.
وهكذا تشتت أفراد أسرة آكل المرار وفت في عضدهم أن ضعف شأن