الرسول عليه السلام إليه مع شجاع بن وهب في العام السادس للهجرة بكتاب يقول فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر. سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق. وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له. يبقى لك ملكك". وأبى الحارث الإسلام، فسير الرسول عليه السلام حملة ضده بقيادة زيد بن حارثة الكلبي.
ثم جبلة بن الأيهم آخر الأمراء الكبار من الغساسنة، وقد عاصر الفتح الإسلامي للشام. وقيل: إنه أسلم في عهد عمر بن الخطاب ثم ارتد عن الإسلام لأسباب اختلفت روايات المؤرخين بشأنها.
تنقل الغساسنة في أيام ازدهار دولتهم بين أكثر من عاصمة، وذكر المؤرخون المسلمون من عواصمهم جلق التي قد تكون جلين الحالية أو الكسوة على بعد عشرة أميال جنوبي دمشق، والجابية في منطقة الجولان ولازالت البوابة الغربية لدمشق القديمة تسمى باسمها.
وبعد أن تحضرت جماعات بني غسان في بلاد الشام، أولت اهتمامها لمشروعات الري والزراعة واستفادت منها لاسيما في إقليم حوران، بحيث ذكر لها نحو ثلاثين قرية. غير أن أمور الحرب وحماية القوافل وتجارة الوساطة ظلت هي الغالبة على أوجه نشاطها.
واشتهرت من مدن التجارة الخارجية ومراكز القوافل في أيامهم مدينة بصرى عاصمة إقليم حوران، وقيل: إن الرسول عليه السلام قصدها للتجارة مرتين في شبابه وقابل فيها بحيرا الراهب. وكانت من مراكز الحضارات الهيلينستية والرومانية القديمة.
ثم مدينة الرصافة شمال تدمر. وقد جدد الغساسنة كنائسها وأديرتها واشتهرت بقديسها المسيحي مارسرجيوس الذي خلع اسمه عليها فسميت Sargio- Plors وكان نصارى الشام يتيمنون به وبصورته ويعمدون أبناءهم في كنيسته. ولازالت أطلال بوابات الرصافة القديمة وصهاريج مياهها قائمة. على الرغم من تخريب جيوش الحيرة لها أكثر من مرة، وفعل توالي الأزمان عليها.
وانتفعت حضارة الغساسنة بالحضارات الشامية المحلية والبيزنطية والساسانية فضلًا على ميولها العربية. وكان شأنها في ذلك شأن الحضارة الأموية فيما بعد حينما استكملت عناصرها المتعددة في دمشق وما حولها. وترتب على ذلك أن نسب المؤرخون المسلمون آثار كل من الغساسنة والأمويين إلى الآخر.
ومن أشهر هذه الآثار قصران: القصر الأبيض بجوار منطقة النمارة. وقصر