الأجانب يعيشون في عاصمتهم ولاحظ كثيرًا من المنازعات تدور بين أولئك الأجانب على حين لاحظ قلة المنازعات بين السكان الأصليين وميلهم إلى حياة السلام ربما لصالح نشاطهم الاقتصادي.
وعبر الأنباط عما استطاعوا استيعابه من فنون الحضارات المتنوعة التي اتصلوا بها فيما تركوه من آثار معمارية حفلت بها مدينة بترا في الأردن، ومنطقة مغاير شعيب وواحة البدع في أرض مدين، ثم مدائن صالح إلى الشمال من واحة العلا. ونكتفي هنا بآثار هذه المنطقة الأخيرة أي مدائن صالح. وترجع أهم آثارهم فيها إلى ما بين القرن الأول قبل الميلاد وبين القرن الأول بعد الميلاد. وتتمثل هذه الآثار في نحو مائة مقبرة نحتت وشكلت واجهاتها في السفوح الجبلية بالمنطقة، وتفاوتت فيما بينها في أحجامها وفي مدى فخامتها، وامتازت مجموعة منها تمثل مقابركبار الأثرياء بالضخامة والروعة والارتفاع حتى شابهت واجهات القصور، وإن لم يوجد في بيئتها من آثار بقايا القصور الدنيوية شيء ما يرقى إلى مستواها. وقد جمع طرازها المعماري وزخارفها بين الأسلوب المحلي وبين أساليب مصرية وهيلينستية ورومانية. ولا زال أهل المنطقة يصرون على تسمية أمثال هذه المقابر الفخمة القديمة باسم القصور، وذهب خيالهم في تصور أصحابها كل مذهب، فهذا في زعمهم قصر البنت، وذلك قصر أبي البنت، وثالث قصر الصانع، ورابع أطلقوا عليه اسم المجلس، وهلم جرا، أما النصوص النبطية التي نقشت على واجهات هذه المباني فهي لا تترك مجالًا للشك في كونها مقابر، ولكنها مقابر تدل على ما بلغه أهلها من تنعم وثراء وما بلغه عصرها من تحضر ورخاء.
ويوجد في نفس المنطقة معبد استغل الأنباط له مغارة طبيعية في جوف صخرة ذات قمة تشبه القبة، وشكلوها على هيئة بهو كبير (12×10×8 أمتار) يطلق الأهالي عليه اسم الديوان. وأخذ الأنباط بما أخذ به أغلب العرب قبل الإسلام من تقديس هبل والعزى واللات وذي الشرى وشيع القوم ... إلخ.
وبعد هذا التاريخ الحافل، الذي تضمنت بترا في الأردن أضغاف ما تضمنته مدائن صالح من آثاره. قضى الرومان على اسقلال الأنباط حوالى عام 106 بعد الميلاد وسيطروا على عاصمتهم بترا في عهد الإمبراطور الروماني تراجان. وتحولت أرضهم بعد ذلك إلى مجرد ولاية خضعت للنفوذ الروماني واندمجت فيما سمي باسم الولاية العربية Provinca صلى الله عليه وسلمrabia وإن خصوها بعد ذلك هي والأراضي التي تقع إلى جنوبها باسم منطقة بترا العربية أو المنطقة العربية الصخرية صلى الله عليه وسلمrabia Petraea، وبعد أن كان الأنباط يؤرخون نصوصهم في عهود